معظم أنواع التربية التي عرفتها البشرية عبر العصور المختلفة لم تستطع أن تُحقق التكامل المطلوب أو الوصول إلى التوازن المنشود بين مختلف الجوانب والطاقات والقوى التي فطر الله الإنسان عليها وزوده بها؛ فقد كانت كل تربيةٍ منها تُعنى بجانبٍ واحدٍ من جوانب الشخصية الإنسانية على حساب الآخر أو تهتم باحدى الطاقات مقابل إهمال غيرها. ولعل خير مثالٍ على ذلك أن التربية اليونانية مثلاً قد اهتمت اهتماماً بالغاً بالجانب العقلي للإنسان في الوقت الذي أهملت فيه بقية الجوانب الأخرى، في حين أن التربية الرومانية ركّزت اهتمامها على الجانب الجسمي مقابل إهمال غيره من الجوانب. أما التربية المسيحية فقد عُنيت كثيراً بالجانب الروحي للإنسان على حساب غيره من الجوانب الأخرى.. وهكذا. وعندما ننظر إلى التربية الإسلامية نجد أنها جـاءت بخـلاف ذلك كله، حيث تميز منهجها التربوي بشموله لحياة الإنسان كلها، وعنايته بجميع جوانب النفس البشرية المتمثلة في الأبعاد الرئيسة الثلاثة (الروح، والعقل، والجسم)؛ دونما إهمالٍ أو مبالغة في حق أحدٍ منها على حساب الآخر. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عناية التربية الإسلامية لا تتصف بمجرد الشمول لهذه الجوانب الثلاثة، فهي مع شمولها تسعى إلى تحقيق التوازن المطلوب بينها دونما إفراطٍ أو تفريط. فللروح حظها، وللجسم حقه، وللعقل نصيبه. وليس هذا فحسب، بل إن الارتباط والتداخل بين هذه الجوانب الثلاثة يبرز بصورة لا يمكن معها فصل جانبٍ منها عن الآخر. فلكل تربيةٍ من أنواع التربية قديمةً كانت أو حديثةً، مصادر معروفة تستمد منها أصولها الثابتة الراسخة، وتستقي منها منهجها وإطارها الفكري الذي نبع من تلك الأصول وتشَّكل في صورته النهائية. ومن ثم تتم ترجمته إلى واقعٍ مُعاشٍ وممارساتٍ تربويةٍ ماثلةٍ للعيان. ولأن التربية الإسلامية نابعةٌ من الدين الإسلامي الحنيف، فإن مصادرها هي نفس مصادر الدين الإسلامي التي تعتمد عليها التربية الإسلامية في بناء وتحديد معالم نظامها التربوي. وبذلك يمكن القول: إن أبعاد أو جوانب الشخصية الإنسانية من منظور التربية الإسلامية ثلاثة فقط هي ( الروح، والجسم، والعقل). وهذه الجوانب الثلاثة هي الجوانب الرئيسة، أما بقية الجوانب الأخرى -التي يُشير إليها كثيرٌ من الكُتاب في هذا الميدان- مثل الجوانب الأخلاقية، والوجدانية، والمعرفية،…إلخ، فلا تخرج عن كونها جوانب متفرعة عن هذه الأبعاد الثلاثة الرئيسة أو مندرجةً ضمنها، إلا أنها مع ذلك تحظى بحقها الكامل، وحظها الوافر الذي يضمن لها أن تؤدي دورها المطلوب منها بكل ثقةٍ واقتدار، فتكون المحصلة النهائية لذلك كله بناء وإعداد شخصية الإنسان المسلم بناءً كاملاً متكاملاً -بإذن الله-.