الشدائد الاجتماعية والوطنية تضع المجتمعات أمام تحديات حقيقية في الحفاظ على أمنها واستقرارها، فهناك قيم لا يمكن استهلاكها في خطاب سياسي أو ثقافي تفاعلي في المنابر والمواقع الاجتماعية وإنما من الضروري ترجمتها إلى سلوكيات ترتقي إلى حجم المسؤولية في استيعاب تلك التحديات والوعي بأهمية الارتفاع عن الصغائر والنعرات ذات السمة الانهزامية، لأن ذلك فقط كفيل بالتعاطي الإيجابي معها ومواجهتها بإرادة قوية تنتصر على عوامل التفرقة وبعثرة اتجاهات الكيانات المجتمعية. حوادث الإرهاب التي لم تسلم منها بيوت الله في الدمام والأحساء وعسير وغيرها، أحد أهم الاختبارات التي تضعنا كمجتمع أمام فكرة جامعة وهي الوطنية، فالوطن بوتقة تنصهر فيها الاختلافات المذهبية والعرقية والثقافية الفكرية، وتلك الحوادث إنما هي تحديات تستهدف الجميع من خلال خطر داخلي مقيم، وخارجي لا يهدأ عن الاستهداف، وخلال ذلك كله فإن أكبر عامل حاسم ومؤثر في الخطورة هو أن يمارس المجتمع نوعا من الضغط السلبي على وجوده وتعايشه بالبحث في تعميق الخلافات والوصول بها إلى أبواب الاختلافات والتضاد الذي يأتي على حساب القيمة الوطنية. والثابت الآن من خلال تلك الحوادث العدائية للوطن والمواطن بمختلف اتجاهاته، أنها لا تستثني أحدا، وبالتالي التسبب في أضرار وطنية عميقة تنشأ عنها أحقاد وتنتج مرارات ليس لها من مسوغ إذا غاب الوعي عن إقصاء الوطن من مثل هذه النزعات الإجرامية، وانهزم أمام طوفان التكفير لصالح تفتيت اللحمة والوحدة والتعايش السلمي بين الجميع، وذلك ينتهي بالوطن إلى حالة من الذبول والتآكل لأن تراجع الفكرة الوطنية في العقل الاجتماعي بسبب الاختلافات والسماح باختراق الخطر إلى العقل الاجتماعي والباطني للفرد لا بد وأن يصل إلى نتيجة سلبية تضر بالوطن وتعمل على تخريب أسسه الفكرية في الوعي. وعندما ننظر إلى التأثيرات السلبية العميقة لتنازع الفكر الوطني في دول مجاورة نجدها دخلت مرحلة سيئة من التحارب والاقتتال أحدثت أضرارا بالغة في الوطن لأن الفكرة الوطنية تصدّعت وتعطّلت في ظل مشروعات تخريبية ناتجة من الإرهاب والإجرام بحقوق المجتمع في العيش بسلام وأمان مع احترام قناعات وخيارات كل طرف، ولذلك فإننا أمام فرصة تاريخية للتعامل مع تحدياتنا الوطنية بمثالية ترتقي بسلوكنا الفردي والجمعي، وتخرج الوطن من معادلة الاختلافات والخلافات التي تتسبب فيها الحوادث الإرهابية لأننا مطالبون دوما بتجنيب الوطن الصراعات الكامنة في بعض النفوس وتلك التي يمكن أن تنشأ بسبب الضغط العقلي على الخيارات المذهبية والثقافية.