×
محافظة المدينة المنورة

الأمانة: لا تجاوزات أو وساطات في اختيار المرشحين للانتخابات البلدية

صورة الخبر

كنت في أحد الأيام أزور أحد الأصدقاء فوجدته مشغولاً.. فانتظرته قليلا ثم أتاني معتذراً عن التأخر.. فقلت: لا بأس عليك، لعله خير.. قال: وجدت في برحة قريبة من بيتي كلباً جريحاً ولا يستطيع الحركة، فبدأت أتعاهده كل يوم أجلب له ماء وطعاماً ولي عدة أيام وحاله الآن أطيب، يقول ذلك مستبشراً.. معقباً على كلامه بحديث المرأة أو الرجل اللذين سقيا الكلب فغفر لهما، ومستدلا بحديث: في كل كبد رطبة أجر فكيف إذا كان مريضاً جريحاً، فشكرته على ذلك ودعوت له بالزيادة من الخير. هذه التربية التي تربى عليها الصديق الفاضل غُرست فيه من صغره في بيته ومدرسته سمعها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ومن الممارسات الراحمة من والديه وأسرته فظهرت عليه في كبره، وهذه من الجماليات الظاهرة في دين الرحمة (الإسلام) الذي يبني الحياة ويغرس العطاء، ويثيب الباني خيراً والمفسد شراً فمن عذب نفساً ولو حيواناً بغير حق «عذب بها» ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً، فالمحافظة على النفوس حفاظ لتوهج الحياة وحركتها.. ليحصل الحرث والبناء والعمارة.. ويتجاوز ذلك الإنسان إلى الحيوانات كما مر قبل قليل.. ومثلها حديث الهرة: دخلت امرأة النار في هرة تخيلوا .. دخلت النار! لماذا؟ حبستها.. فلا هي أطعمتها ولم تطلقها تأكل من خشاش الأرض. إن دين الإسلام يكفل الحرية حتى للحيوانات! فمن لم يقم بحقها وإكرامها وإطعامها فقد عرض نفسه لعذاب النار في الآخرة، بل وربما عذاب الله في الدنيا. وأذكر شاهداً على ذلك قصة واقعية حصلت لأحد أبناء حارتنا ونحن صغار وكان فيه شقاوة أنه أخذ «جرو كلب» ثم حز رقبته بقصاصة معدنية من علبة الطماطم حادة وكان الكلب الصغير يتألم فقتله بوحشية بدون أي سبب. وبعد ثلاثة أيام مرض صاحبنا ثم انتفخ بطنه.. ثم مات ! وظني والله أعلم أن ذلك عقوبة قتل الجرو ظلماً وبوحشية، عفا الله عنه، وشاهد ذلك أن دين الإسلام بآياته وأحاديثه وعبر أهله يبث الكرامة والرحمة والبناء والعمارة في الحياة ويغرس ذلك وينميه ويقويه ويحافظ عليه بل حتى مع العدو تبقى بعض الحبال لينظروا لهذا الجمال والكمال: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم، وهذه القاعدة التي هي: عمارة الأرض وبناؤها هي القاعدة العامة في الإسلام، وتخالف القاعدة متى حورب هذا الجمال والكمال بقتال ونحوه فيدفع الباطل بالحق والقبح بالجمال والكفر بالإسلام، حتى في مواضع القتال ومواطنه تظهر الرحمة والرفق كما حصل في غزوات الإسلام بتطبيقات قادته، كما في فتح مكة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومعركة تحرير القدس زمن صلاح الدين رحمه الله لما انتصر على الصليبيين. الإسلام ربانا وربى أتباعه.. على العمل والبناء والرحمة والإحسان، يعمل المسلم بالغرس ولو دوى الصعق للقيامة: إذا قامت القيامة وفي أحدكم فسيلة فليغرسها ويبث الحياة للكائنات والحيوانات والطيور فكيف بالإنسان! فدين تعاليمه وممارسات أهله من القديم إلى العصر الحاضر تعمق ذلك.. ولا يمكن أن يفسد جمال صورة الحياة أو يطمسها فضلاً عن تعذيب كائناتها.. وإزهاق أرواح عمارها وراسمي جمالها وحركتها فمن رغَّب في إحياء الغرس رغم نهاية الحياة، فهو أولى أن يحث على إحياء الحياة.