عشية عزم البرلمان العراقي التصويت على حزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي وفي المقدمة منها إقالة نواب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الثلاثة (نوري المالكي وأسامة النجيفي وإياد علاوي) ونواب رئيس الوزراء الثلاثة (صالح المطلك وبهاء الأعرجي وروز نوري شاويس) فقد بدا موقف كل من المالكي وعلاوي أمس مخالفا لما أبداه الزعماء السياسيون الآخرون من تأييد كامل للإجراءات التي قرر العبادي اتخاذها بعد حصوله على تفويض شعبي وموافقة من المرجعية الشيعية العليا. وفيما حذر المالكي من تكرار سيناريو اعتصامات الأنبار في حال استمرت المظاهرات ضد الفساد وسوء الخدمات، فإن علاوي عدها مخالفة للدستور. ويعد اتفاق المالكي وعلاوي، المختلفين في كل شيء على مدى الـ12 سنة الماضية، على إصلاحات العبادي، الأغرب من نوعه بالنسبة للشارع العراقي. وحذر المالكي خلال احتفالية أقيمت في محافظة المثنى (270 كم جنوب بغداد) بمناسبة ذكرى «ثورة العشرين» من أن «تخترق هذه المظاهرات من أصحاب النوايا»، موضحا أن «التاريخ علمنا أن الكثير من الناس من المخلصين والمجاهدين يثورون ولكن يأتي آخرون ويسرقون هذه الثورة، ونحذر من أن تسرق حركة المظاهرات أو تحرف عن مسارها المطلبي وأن لا تتحول إلى أغراض سياسية كما بدت تظهر فيها شعارات دينية ضد الدين وضد العلماء وضد المراجع وضد الحركات الإسلامية، فهذه خرجت عن إطارها الذي يجب أن تلتزم به». وأضاف المالكي: «إذا انزلقت المظاهرات ستذكرنا بانزلاقة مظاهرات الأنبار والموصل وما ترتب عليها، وإذا كنا اليوم نئن ونحن لتوفير الخدمات ومكافحة الفساد والمفسدين، أخشى إذا المظاهرات لم تبق تحت السيطرة وتحت العنوان الذي التزمت به أن نخسر حتى الأمن في هذه المرحلة المقبلة». وفيما بدت لغة المالكي في رفض إصلاحات العبادي مشوبة بالغموض، فإن النائب الآخر لرئيس الجمهورية إياد علاوي عدها مخالفة للدستور. ففي مؤتمر صحافي عقده في مقره بشارع الزيتون ببغداد قال علاوي إن «التوجيهات الأخيرة والتي صدرت عن رئيس الحكومة حيدر العبادي غير صحيحة وغير دستورية»، واصفا العبادي بـ«غير المؤهل لإصدار مثل تلك التوجيهات». وطالب علاوي، العبادي «بمحاسبة المقصرين وإلغاء الوكالات التي وزعها لجهة معينة وطائفة وحزب وإلغاء الوظائف بالوكالة والتحقيق بملفات الفساد والعمل لتأمين الإجراءات القانونية في مسألة الفساد والعمل على إعادة النازحين وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء لمعالجة الأزمة في العراق»، مؤكدا رفضه «لتسلم أي موقع في البلاد في حال عدم تنفيذ الأمور بكلياتها وتنفيذ مطالب المتظاهرين». وشدد علاوي على أن الإصلاح يجب أن يبدأ في مقر رئاسة الوزراء، مشيرا إلى انه أبلغ رئيس العبادي بشأن صفقات أسلحة فاسدة، وفيما لفت إلى أنه «لم يتم اتخاذ أي إجراءاتها فيها، دعا إلى تكليف هيئة قضائية دولية لإجراء تحقيق بالأموال التي دخلت العراق منذ عام 2003». ودعا إلى «إجراء تحقيق مع من تسبب بالضرر المادي الهائل الذي أصاب العراق». وأشار علاوي إلى أنه «كان يفترض أن تصرف الحكومة وقتا في بناء الجيش وتطوير القوى الأمنية لكن هذا لم يحصل»، لافتًا إلى أن «العراق الآن في مهب الريح في مواجهة الإرهاب، ولا نصير للعراقيين سوى ما يسمى بدول التحالف». وعد علاوي: «عدم إقرار قانون الخدمة الاتحادي وقانون الأحزاب وقانون النفط الغاز وقانون العفو والمصالحة الوطنية وقانون الاجتثاث دليلا على استشراء الفساد»، مؤكدا «استعداد كتلته للتخلي عن مناصبهم ومقاعدهم في مجلس النواب ومغادرته في حال تحقيق مطالب الشعب العراقي». وأكد علاوي، أنه «كان قد أعد استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية منذ أربعة أشهر ولم يعد له شغل بالحكومة وبدأ بالتواجد في مقر كتلته وليس في المقر الحكومي»، مشددا على أن «المناصب غير مهمة بالنسبة لي ولكتلتي وما يهمهم هو تحقيق أهداف الجماهير». وفي هذا السياق، أكد الأكاديمي والسياسي الناشط في المظاهرات كاظم المقدادي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «العبادي قد لا يكون رجل الدولة المؤهل بالكامل بقدر ما هو رجل إطفاء لكن هو الآن وبسبب المظاهرات لم يعد أمامه من بديل سوى العمل لا سيما أنه يحمل نوايا طيبة ومؤهلات علمية تساعده على ذلك، بالإضافة إلى أن المظاهرات لم ترفع فيها شعارات ضد العبادي بل رفعت شعارات ضد المسؤولين عن ملفات الفساد»، مشيرا إلى أن «موقف المالكي وعلاوي المناهضين للإصلاحات سيترك أثرا سيئا وقد يترتب عليه تقديم من تثبت إدانته منهما، لا سيما المالكي الذي حكم طويلا، إلى القضاء في مرحلة لاحقة وهي بالمناسبة أحد مطالب الشارع العراقي».