×
محافظة تبوك

14 رئيس مركز انتخابي شاركوا في ورشة تدريبية

صورة الخبر

يعد تغلغل الأيديولوجيا في الدين أمرا سهلا، لكن نزعها منه أمر في غاية الصعوبة؛ هذا هو واقع الحال الذي تعيشه ثقافتنا "العربية- الإسلامية" منذ ستينات القرن الماضي مع شديد الأسف، وتفكيك هذه الأيديولوجيا يحتاج إلى عملية معقدة وطويلة أشبه بعمليات فصل التوائم السيامية، لفصل هذه الأفكار المتطرفة عن الدين وقيمه الروحية، وتقوم هذه العملية على نقد الخطاب الديني وإعادة النظر في عمليات الضخ الأيديولوجي التي أرجعتنا إلى مراحل متقدمة من التوحش الإنساني، بدلا من أن تتقدم بنا. فالعلاقة بين الإنسان والإيمان هي علاقة روحانية سامية، وهذا ما تمثله الحقيقة الدينية عبر التاريخ، فكل الأديان والمذاهب والعقائد تتفق على السمو الروحي من خلال الإيمان، لكنها تختلف في الصيغ والطرائق التي يعبَّر بها عن هذا الإيمان، أي من خلال العبادات، ولذلك يمكن أنْ يصبح التدين شكلاً من أشكال التشدد حين يبتعد عن جوهره الروحاني القائم على علاقة سوية بين الإنسان وربه من ناحية، وعلاقة سوية بين الإنسان والإنسان من ناحية أخرى، غير أن الأيديولوجيا تخترق الدين نتيجة الوثوقية والطهرانية التي يعتقدها أتباع كل جماعة دينية بصـحة معتـقدهم وخطأ معتقدات غيرهم، وهنا يعتقد الفرد أن تدينه المؤدلج هو حقيقة الدين. تعاني ثقافتنا الإسلامية منذ 60 عاما تقريبا من خطر تنامي الأفكار الدينية المتطرفة التي تطورت اليوم؛ لتكون معتمدة على القتل والتدمير كطريقة لبتر الاختلاف من جذوره، وذلك عبر إعادة صياغة التعاليم الدينية من خلال الاعتماد على التراث بما يناسب أهداف وغايات التطرف، حيث تم فرز أفراد المجتمع في البداية بناء على الشكل الظاهري للوجه والزي كدلالة على طبيعة تدينهم، وهنا يحق للأفراد الآخرين "التفتيش" في الضمائر وتحديد مدى العلاقة مع المواطنين الآخرين بنوع من الوصاية الدينية. فعلى هذا الأساس يتم بناء الموقف، حيث بنى المؤدلجون مواقفهم من الآخر، سواء كان هذا الآخر قريبا يتمثل بالفئات المجتمعية المحلية على مختلف اتجاهاتهم ومشاربهم، أو سواء كان الآخر البعيد المتمثل بالأديان والمجتمعات العربية والغربية الأخرى، ولذلك نحن أمام مأزق قد يطول، نحتاج فيه إلى خطوات جديدة لمكافحة هذا الفكر المتشدد، وأظن أهم الطرق هو "الانفتاح" على العالم الآخر؛ لكي تتكرس غربة هذا الفكر المتطرف الذي يحظى اليوم -مع شديد الأسف- بالدعم والتعاطف المجتمعي من قبل بعض (النخب الدينية)، وأول انتصار أيديولوجي تم حينما سُمح لهذا الفكر بفرض مبادئه على الناس بنوع من الإجبار والتهديد والاتهام، في ظل تهميش المثقف الذي تبني خطابا عقلانيا مقابل الخطابات الدينية المشوّهة، وفي ظل تهميش المؤسسة الثقافية العمل فيها يتم وفق ما يسح به هذا الفكر وما لا يسمح به! نحن اليوم أمام مفترق طرق خطر، ثمنه الوجود والأمن والسلم الأهلي، ولذلك يجب أن تكون أمامنا استراتيجية واضحة لمكافحة الفكر المتطرف وتفكيك أيديولوجيته، فكل ما تم في السابق يوضح أن العلاج كان مسكنا، فالفكر المتطرف انتخب نفسه أنه الأفضل اجتماعيا مقررا تدمير بقية المكونات، بالضبط كما يحدث في الطفرة الجينية التي تولّد نشوء الأورام التي تهاجم فيها الخلايا السرطانية الخلايا السليمة، وبالتالي لا يمكن معالجة الأورام بالمسكنات! فالأيديولوجيا لا يمكن تفكيكها بوجود ضخ هائل للفكر الديني، واستمرار الانغلاق الاجتماعي، وتردي الوضع الاقتصادي، وتنامي البطالة، إذ هنا يكون ظاهر التدين شيئا وباطنه شيئا آخر ربما يتمثل في الاحتقان العام، ولا سيما في ظل أخطار محيطة نلحظها في التأجيج الأيديولوجي الذي يتحول فيه أبناء الوطن إلى أعداء له. ولتفكيك الأيديولوجيا يتعين أولا تحقيق السلم الاجتماعي من خلال الإصلاح، فالإصلاح لا يبدأ بشكل جزئي إنما بشكل شامل، وهذا الشمول يبتعد عن كونه إصلاحا لفرد دون آخر أو لجانب مجتمعي دون آخر، فليس أمامنا خيارات كثيرة ولا متسع من الوقت لكي نؤخر أو نؤجل هذا الإصلاح، فكما أن الأنظمة تحتاج إلى الإصلاح فالمجتمع يحتاج إليه أيضا، من خلال تحديث وتفعيل القوانين التي من شأنها حماية الحقوق والحريات، ومنع أي احتمالات لانتهاك الحريات الخاصة والعامة، وتعزيز الشفافية والنزاهة لئلا يكون المستقبل غامضا.