مرت علينا قبل يومين الذكرى ال25 للغزو العراقي للكويت، وتأتي هذه الذكرى في وقت تعيش فيه منطقتنا العربية والخليج تحديدا أوضاعاً مضطربة. ونستذكر من خلالها الدور السعودي الحازم الذي وقف مع الشرعية في الكويت بقيادة الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز-يرحمه الله- وحتى تحريرها بعد سبعة أشهر من العدوان. وتأتي هذه الذكرى ونحن نعيش أيضا حالة من انتهاك الشرعية في بلد عربي شقيق هو اليمن والدور الحاسم الذي أعاد به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان هيبة العرب بعاصفة الحزم وإعادة الأمل. ونعرف من قراءة التاريخ أن الغزو العراقي للكويت شكّل حالة من عدم الاستقرار في المنطقة حتى يومنا هذا، كما ستشكل بإذن الله عمليات إعادة الشرعية لليمن عودة لاستقرار المنطقة. ولكن هل استفدنا من دروس الماضي في معالجة أوضاع الراهن؟ وكيف تأثرت الهوية العربية والخليجية تحديدا جراء تلك المصائب؟ فعندما نستذكر ما ترتب على الغزو من عزل للعراق أعواماً عدة بعد التحرير، ثم عودة أميركا لغزو بلاد الرافدين في 2003، ثم تسليم البلد الى ايران بعد ان اصبح بلداً منهاراً في كامل مؤسساته وفئاته. فأسهم الغزو وحرب استعادة الشرعية للكويت في إعادة صياغة دول المنطقة من جديد ورسم التحالفات المستقبلية لها وفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات من المجهول الى أن وضعت عاصفة الحزم نقطة التحول في دعم الشرعية في اليمن وقبلها كانت الوقفة السعودية لدعم استتباب الامن في مصر بعد الثورة وانتخاب الرئيس السيسي. نحن نقف اليوم امام ملفات تأخرنا في حل بعضها وتكاسلنا في بعضها الآخر ولكن بذور الأمل الراسخة تمت مع تحرير الكويت. فقد تأخرنا في برامج تعزيز اللحمة الخليجية وعدنا الى تعزيز اللحمة الوطنية. فهويتنا الخليجية التي كنا نظن أنها وصلت الى مرحلة التكوين والتكامل بات يعتريها بعض شوائب الفوضى الخلاقة في المنطقة. فاصبح هناك انتماء لخارج الدول والاقليم. فهل يعقل أن تضعف هويتنا الخليجية ونحن على أعتاب الفرحة بدعوة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله- الى تحقيق حلم الاتحاد واصبحنا نحلم بأن لا يضعف التعاون، وهويتنا الخليجية في شقها الخارجي الذي نفاخر به اصبحنا لا نعرف هل القرار موحد ام يعتريه بعض التصدع؟ إن احاديث الغزو التي نستذكر فيها المواقف الموحدة بالعيش او الموت سواء تستدعي منا وقفة شجاعة الى بناء المنظومة الثقافية الاعلامية لأمانة المجلس حتى لا تموت بقية المؤسسات الثقافية والاعلامية، فقد مات مركز التراث وتداعت مؤسسة الانتاج البرامجي المشترك ويحتضر معها تلفزيون الخليج. وقس على هذا الكثير من المؤسسات التي لا تزال هشة في قطاعات التعليم. ولكن يثلج الصدر ايضا ان هناك مؤسسات اقليمية لا تزال تنبض بالحياة ومنها مكتب وزراء الصحة الخليجي ونشاط ادارته. أعتقد أن النشاط الثقافي المؤسسي في الخليج لا بد وأن يعود للواجهة وبقوة لمواجهة برامج مضادة باتت تعمل من داخل المجلس وبأيد وعقول وافدة تعيش من خيرات الخليج وتزرع الإحن بين اهله ولكن بالوان زاهية حتى نظن انها من مفاتيح التطور. استقطبنا رموز الخلاف العربية لتزرع الخلاف بين دول الخليج. نحن لا نعيش ذكرى غزو العراق للكويت، نحن نعيش ذكريات ومآسي وتداعيات ذلك الغزو بجروح نازفة تحتاج منا الى ابعد من الضمادات الوقتية بل ربما الى جراحات حقيقية تحفظ لنا هذا الجسد الخليجي السليم وسط محيط من الجثث. قد اكون مبالغا في الجزء التشاؤمي ولكنه يقود الى وضوح رؤية التفاؤل عند الاستشراف المستقبلي. فكلمات الملك فهد ليست موجهة الآن للكويت بأن نعيش او نموت سويا انها اصبحت الكلمات الموجهة لدول المجلس كافة في ظل ظروف التطرف والارهاب والاستهداف والتمزيق. إن لم يتحقق حلم الاتحاد فعلى الأقل تتحقق الوحدة في قلوب ابناء المجلس قبل أن تغرقنا وسائل التواصل الاجتماعي بصور واخبار غير مسؤولة توغر الصدور وربما تفتت الوحدة الحلم، فالنار دوما من مستصغر الشرر.