آخر ما انتظره الرئيس الغانم والنواب والإعلام وعموم أهل الكويت أن يخرج بيان وزارة الخارجية الكويتية التوضيحي حول الخطوة الإيرانية في حقل الدرّة بهذه الطريقة الكوميدية الكاريكاتيرية، فالبيان ترك أصل المشكلة وجوهرها وتداعياتها واحتمالاتها المستقبلية ورد على تعليقات شخصية في وسائل التواصل، وتمثّلت قمة السخرية في نفي البيان وجود تنصّل إيراني من التعهّدات في ما يتعلق بالحقل وتأكيده في فقرة لصيقة بالنفي أن الكويت احتجت رسمياً لدى إيران لأنها تنصّلت من هذه التعهّدات، بل ذهبت جهات أخرى إلى الرد رسمياً على تغريدة طائشة زعمت أن إيران احتلت المنطقة بنفي الاحتلال... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.ومن دون الخوض كثيراً في التفاصيل، ومن باب تسهيل الأمور للحكومة، أسألها بسرعة بضعة أسئلة توضح لها ما يريد الكويتيون معرفته في هذا الإطار:هل أدرجت إيران رسماً امتدادياً لحقل الدرة الذي تسميه «اراش» في كراستين تم توزيعهما على فترتين لشركات دولية من أجل الاستثمار فيه؟هل ذكرت أنه امتداد لحقل مشترك وطرحت أمام الشركات مشروعين الأول لاستخراج النفط والثاني لاستخراج الغاز؟هل تنفّذ إيران هذه المشاريع والخطط آخذة في الاعتبار موقف الكويت، وهل اعترفت بأن هذا الامتداد هو في المنطقة المشتركة التي لم يتم ترسيمها بعد؟هل تعترف إيران بخط الامتياز النفطي الكويتي المعروف باسم «خط شل»، أم أنها تعترف فقط بخطها الامتيازي المعروف باسم «خط ايبك»؟هل امتداد حقل سوروش الذي تستثمره إيران منفردة يقع داخل الخط الكويتي أم لا؟ ولماذا صمتت الحكومة سنوات... إذا كان الجواب إيجاباً؟هل سمع الإيرانيون وعلى أرفع المستويات من القيادة السياسية رفض الكويت اعتبار المنطقة المتداخلة حقاً مطلقاً لإيران للتصرف قبل ترسيم الجرف القاري، خصوصاً بالنسبة للمناطق الواقعة غرب خط شل الكويتي وبعضها تفرض عليه إيران أمراً واقعاً... وبماذا تعهّدوا؟هل لمست دولة الكويت مناورة سياسية تجريها إيران خلال المحادثات بحيث تدّعي وزارة الخارجية الإيرانية أنها لا تعلم بخطط وزارة النفط الإيرانية وحيث تدّعي وزارة النفط الإيرانية أنها لا تعلم بوجود مناطق خلافية تحتاج إلى ترسيم؟وأخيراً، ما هي الخطوات التي ستتخذها دولة الكويت إذا تجاهل الجانب الإيراني احتجاجها وتابع تنفيذ مشاريعه؟هذه بعض الأسئلة السريعة من ضمن أسئلة أكثر لا نريد طرحها كي لا نقع في منطقة الإحراج، إنما إجاباتها هي ما كان الكويتيون ينتظرونه بدل البيان الذي صدر... وهنا أيضاً لا بد من كلام واضح بالنسبة إلى الإحراج.أولاً، يعلم الجميع أن العلاقات الإقليمية والدولية للكويت محاطة بجملة من العوامل والحساسيات التي تفرض نوعاً من الديبلوماسية والتكتم، لكن أموراً مثل الخلافات الحدودية والترسيمات المتعلقة بصيانة الثروات إنما هي أمور في صميم مصالح الكويتيين. ولذلك فخيط رفيع جداً يفصل بين مداراة التوتر وبين الصراحة التي لا بد منها ليعرف الناس مجريات الأمور ولا تدهمهم المفاجآت.ثانياً، لا يجوز التعامل مع كشف الحقائق للناس حول مشاكل حدودية أو مائية أو نفطية على أنها خطوات قد تؤدي إلى حالات عدائية، فهناك دول كثيرة في العالم وخصوصاً في أوروبا تتعايش بكل تحضّر فيما مشاكلها الحدودية مستمرة لعشرات السنين، إنما يتعاملون معها بكل شفافية بل يدرسونها في المناهج المدرسية... فللدول مصالحها وعلى الكويت أن تدافع بشراسة عن مصالحها بكل السبل القانونية.ثالثاً، بين دول مجلس التعاون الخليجي نفسها خلافات حدودية أيضاً لكنها معروفة وموثقة وبعضها ذهب إلى محاكم دولية وصدرت فيه أحكام واستمرت العلاقات جيدة بين هذه الدول.رابعاً، بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى خلافات أيضاً تتعلق بالمناطق النفطية المشتركة، ويتذكر الجميع أن الحكومة نفت وجودها في حقل الخفجي رغم كل ما كتبناه وكشفناه ثم اتضح لاحقاً أن حقل الخفجي أغلق، والحكومة نفسها نفت بعدها أن تكون هناك خلافات في حقول الوفرة واتضح لاحقاً أن حقول الوفرة أغلقت... وبعدها بأشهر يذهب كتاب كويتي إلى السعودية يحمّلها مسؤولية الخسائر التي نتجت عن هذين الإغلاقين.خامساً، للتذكير أيضاً، فعندما كنا نتحدث عن الخفجي والوفرة كان الهمس يأتينا من مسؤولين كبار بألا نكتب في الموضوع لحساسيته وكنا نقول إنه يجب التفريق تماماً بين الحديث عن مشكلة تتعلق بالنفط والتنقيب والعمل وحقوق الشركات وانتهاء العقود من جهة وبين التقدير والمحبّة والعرفان للشقيقة الكبرى من جهة أخرى، وكنا نقرأ ونسمع في الإعلام السعودي تفاصيل يومية عن وجهة نظر المسؤولين النفطيين في المملكة التي ترى أن الخطوات التي تمت في الحقول المشتركة صحيحة وأن الجانب الكويتي هو الذي يلام لأنه أوقف تصاريح العمل وأعاق عبور الآليات الخ... بينما الجانب الكويتي يملك الحجج الكثيرة على سلامة موقفه لكنه لا يطرحها احتراماً منه لحسن العلاقات.سادساً، صار واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك وبحكم التجربة أن المشاكل - وقبل أن تتحوّل إلى أزمات - تربك الخطاب الإعلامي الحكومي وتوقعه في المضحكات المبكيات كما جرى في قضية حقل «الدرّة»، فما بالنا إن تحوّلت هذه المشاكل إلى أزمات كبيرة؟البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية الكويتية، وقبله البيانات التي صدرت عن وزارة النفط الكويتية، وقبلها البيانات المتخبّطة من مختلف الوزارات... هي عملياً من «درر» التصرف الرسمي مع مواطن يستحق مليون مرة أن يحترم عقله أكثر، وإذا أرادت الحكومة توضيح الأمر واعتماد الشفافية و«وضع النقاط على الحروف» كما جاء في مطلب الرئيس الغانم فلتقدم إجابات عن الأسئلة الـ8 التي أدرجتها في مطلع هذا المقال... أو فلتصمت فذلك «أبرك لها».جاسم مرزوق بودي