ربما يبدو عنوان هذا المقال، بدايةً، ميالاً إلى الإثارة والتشويق، بيد أنه في واقع الأمر يعكس بصورة صادقة، حال الندوة ومحياها كونها تحفة معمارية موشاة بألق الثقافة والفنون الفريدة التي على رأسها فن الخط العربي، وكذا بفضل مسيرة لامعة اختطها الندوة لنفسها، على مدار سنوات عمرها، زاخرة بعطاءات معرفية كانت وتبقى معها تنهض برؤية شفافة. وذلك منذ انطلاقها من مقرها القديم في شارع الرقة بدبي، ووصولاً إلى ما ترفل به من حلة جمالية وفنية وفكرية، حالياً، مع مبناها الرائع في منطقة الممزر. ولا مبالغة في القول، عندما نصف المقر الجديد للندوة في الممزر، بأنه كالقلعة التي تحتضن الإبداعات الإنسانية كافة..وكالقصر الذي يقوم على الطابع المعماري العربي الإسلامي.. ويتمازج بانسجام لا مثيل له، إلا في إبداعات العمارة الأندلسية، مع فن العمارة الصحراوي والظروف المناخية الخاصة بهذه المنطقة الحارة من العالم، ومع متطلبات العصر وآخر ما توصل إليه علم الهندسة في الوقت الحاضر. أساس إن كل ذلك التميز والثراء يرتكز، في المقام الأول، على أمر حيوي يتعلق بأطروحة باتت تحاكي أكثر النظريات الاجتماعية حداثة وتطورا حول العالم، والتي تتلخص بمقولة الاقتصاد الثقافي أو ثقافة الاقتصاد، وتدعو فيما تدعو إليه، إلى ضرورة إحداث مواكبة ملائمة بين مستويات التطور الاقتصادي الهائل التي تشهدها الدولة، وبين مستوى رفيع معين من الوعي الثقافي بات مطلوبا بدوره لما يشكله من رافعة لا غنى عنها في مسيرة تسعى إلى تحقيق رفعة الإنسان وخيره، وتحول دون طغيان المادي على الروحي وتوائم بينهما في صيرورة تؤمن للأفراد كافة بشتى تنوعات توجهاتهم الفكرية، غذاء الروح والجسد معاً. جسر تواصل تصميم قصر/ندوة ندوة الثقافة والعلوم، يقوم، إذن، على ثلاثة أقسام أساسية، أولها يشمل ثلاثة براجيل عملاقة. بينما يأخذ القسم الثاني، الذي يتوسط المبنى، شكل قلعة حقيقية يبدو أن تصميمها مستوحى من تصاميم القلاع التقليدية التراثية. وأما القسم الثالث فيحاكي مستويات التطور الهائلة التي بلغتها البلاد في الجوانب الاقتصادية والثقافية على حد سواء.. فتفوقت معها على أعرق الدول. عناصر يمكن القول إن عناصر رئيسة ثلاثة مستخدمة أسهمت في رفع هذا الصرح المعماري الفريد وفي إعطائه هذا الشكل والمضمون البديعين المتكاملين: الحجر والخشب والزجاج.. فضلاً عن روح إنسان معطاء تواق إلى المعرفة، وهذه العناصر موظفة بطريقة أقل ما يقال فيها إنها تمكنت من تحقيق غاية هذا المشروع الحضاري: مد جسر من التواصل بين الناس على مختلف مشاربهم، عماده الثقافة.. وبأدوات جميلة جاذبة. وتبرز في الصدد، ألوان المبنى المستقاة من الطبيعة الغناء ودلالاتها. بجانب كونه يزدان بتحف من الفن الحروفي العربي والآيات القرآنية الكريمة والأقوال المأثورة. بستنة ونقش قبل أن يصل الزائر البوابة الرئيسة للمبنى، التي تشكل بذاتها قطعة فنية خشبية عملاقة، يجد نفسه أمام مشهد بديع قوامه فن البستنة وفن النقش على الحجر والفن الحروفي العربي، فتظلله أشجار النخيل الباسقة وتحيط به على جانبي الممرات التي يعبرها، أصناف شتى من الأزهار والورود والرياحين، وسط باحة مرصوفة بالحجر الطبيعي الأبيض تزينها نافورة مياه أخرى. كما أن الزائر ينتشي بما يتبينه وهو يتقدم ناظراً بحركة غير إرادية إلى الحروف العربية المنقوشة على الواجهة الأمامية العريضة للمبنى. أما البوابة الخشبية بنية اللون، فتفضي إلى عالم آخر مكمل للواجهة الحجرية الخارجية وبستان النباتات والزهور والأشجار المنتشرة بعناية فائقة خارج المبنى، فهناك ردهة أولى صغيرة نسبياً مرصوفة أرضيتها بالرخام الأبيض. كذلك جدرانها مزينة بأعمدة وقطع خشبية لونها بني محروق. وتعلوها قبة واطئة مشغولة من الخشب والزجاج المعشق بألوان زاهية. وهي تفضي بدورها، من خلال بوابة فوقها قنطرة هندسية جميلة، إلى الردهة الرئيسة للندوة التي تعد الطبق الرئيس في كل هذه الوليمة الفنية البديعة، إذ إنها تحظى بحصة الأسد من المشغولات والقطع الفنية المتنوعة، لكن المتراصة من حيث جمالية المنظر العام وتكامله، والتي تتوسطها النافورة. وتعلوها القبة الرئيسة المرتفعة، التي يسمح زجاجها المعشق بدخول النور الطبيعي إلى هذا الجزء الحيوي والمحوري من المبنى. وتتصل هذه الردهة بعدد من المجالس التي تطل على الحديقة الخلفية عن طريق واجهة زجاجية عريضة، تسمح للمشاهد التمتع بمنظر حديقة غناء مبستنة على نحو خلاب، تتوسطها بركة تصميمها يشبه تصميم النافورة الداخلية، مع فارق بسيط يتمثل في أن أرضيتها مفروشة حجارة بيضاء وملساء. ولكن حوافها مشغولة من الفسيفساء، كما النافورة الداخلية، ولا ندري إن كان مقصودا أم لا حضور بحر الممزر كامتداد يكاد يكون طبيعيا لمنظر حديقة الندوة وصولا إلى رؤية أجزاء من مدينة الشارقة، لكن من المؤكد أن غياب هذه الجزئية ما كان وارداً في أية حال بهذا المقام الفني البديع المتعاضد. روح وجماليات يحكي مصمم مبنى الندوة، المهندس عبد الله الهاشمي، عن النواحي الجمالية والسمات المميزة لمبناها في الممزر: الجانب الأهم في التصميم يبقى تأمين سهولة الوصول إلى كافة عناصر المبنى بصرياً وحسياً، بحيث يمكن الوصول إلى أي قسم فيه، من دون الحاجة إلى السؤال أو إلى دليل إرشادي، فكانت فكرة أن يعبر كل قسم عن نفسه، فضلا عن تخصيص محور عام أساسي للمبنى، يمثل روح الوحدة المعمارية كلها، يتمثل بالردهة الرئيسة المطلة على كافة أرجاء المبنى.