النجمة الحمراء التي ظلّت عقوداً، رمزاً لانتصارات الجيوش السوفياتية على ألمانيا النازية، وتغنّى بها اليساريون في العالم، باتت واحدة من ضحايا الحرب المستعرة في أوكرانيا، بعدما أعلنت كييف «شطبها» من شعار الجيش وراياته، ومن لباس جنودها العسكري الجديد، الذي بات يشبه زي مجنّدي الحلف الأطلسي. وأعرب الرئيس بيترو بوروشينكو، عن إعجابه بـ «المبادرات الداعية إلى التخلّي عن تجارب الجيش السوفياتي»، داعياً إلى تبنّي «ما يناسب أوكرانيا الأصيلة ويوافق معايير الأطلسي». إنه طلاق نهائي مع روسيا، ومع كل الرموز التي ربطت شعبَي البلدين قروناً. وإذا كانت الرموز العسكرية تذكّر بالروابط الوثيقة مع العهد السوفياتي، فإن التحرّك لتأسيس كنيسة أرثوذكسية أوكرانية «وطنية» تحظى برعاية مباشرة من بطريركية القسطنطينية، يشكّل محاولة للقضاء على ما تبقى من روابط «تاريخية» مع موسكو. وتكريساً لمقولة ساسة أوكرانيين في بداية الأزمة، أن «موسكو قد تنجح في قضم جزء من أراضي أوكرانيا وزعزعة وحدتها، عبر افتعال نزعات انفصالية في جزء آخر، لكنها في النهاية ستخسر أوكرانيا إلى الأبد». تتطلّع أوكرانيا، على وقع المعارك في شرق البلاد، والخسارة الثقيلة لجزء من أراضيها، بعدما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم، إلى مستقبل يستند إلى بناء جدار عازل مع الجيران الروس، الذين «تعاملوا معنا لفترة طويلة، مثل شقيق أصغر عليه أن ينفّذ التعليمات الصادرة من موسكو، أو يُعاقَب»، كما قال نائب في مجلس «الرادا» (البرلمان) الأوكراني. لا يريد الأوكرانيون أن يبقى في بلادهم ما يذكّرهم بحقبة «الهيمنة الروسية»، ولو على مستوى الأغنيات التي أطربت الشعبين طويلاً، ومن هنا قرارات بحظر دخول فرق موسيقية روسية، كانت إلى ماضٍ قريب تحظى بشعبية واسعة في أوكرانيا. في المقابل، رحّبت وزارة الثقافة بمجيء فنانين وموسيقيين أعلنوا مواقف مؤيدة لكييف في معركتها مع الروس. وفي بحثهم عن هوية جديدة، تنأى بهم عن روسيا، يواجه الأوكرانيون معضلة صعبة، إذ إن الجزء الأبرز من تاريخهم، هو مشترك مع الروس، منذ أن تأسست إمارة «كييف روس» وتحوّلت بقيادة الأمير أوليغ عام 882، أول عاصمة للشعوب السلافية في شرق أوروبا، بل أن كييف كانت تُسمى «أم المدن الروسية». وعلى رغم أن تقلّبات الزمن باعدت بين الشعبين في حقبات عدة، لكن الروابط التاريخية بقيت أكثر قوة من عناصر الخلاف. مع ذلك، يعتبر خبراء أوكرانيون أن الأزمة الحالية فاصلة، لأنها أوجدت مقدّمات لظهور «أوكرانيا الجديدة» كما يحلو لبعضهم أن يُطلق عليها، أبرز سماتها أنها تدير ظهرها لروسيا وتنبش في دفاتر التاريخ لتستعيد رموزها، من فترات كانت فيها على طرفَي نقيض مع الروس. فعند اختيار الزيّ الجديد للجيش الأوكراني، أُبدِلت النجمة الخماسية الحمراء الشهيرة، بنجمة رباعية كانت تزيّن رداء الجيش الأوكراني الغاليتسي (نسبة إلى إقليم غاليتسيا)، الذي أُسِّس مطلع القرن العشرين، واستمر لفترة وجيزة، قبل انضمام أوكرانيا وجيشها آنذاك، إلى الجيش الأحمر السوفياتي. وقد يكون لتعليق الرئيس الأوكراني عندما عاين أخيراً الزي الجديد لجيش بلاده، أكثر من معنى، إذ أشاد بأن «تصميم الزي الجديد يؤمّن الراحة وخفّة الحركة لمن يرتديه». عبارة قصد منها الزي ومزاياه، لكن خبثاء رأوا فيها إشارة أخرى، إلى محاولة التخفّف من أثقال ماضٍ مشترك مع روسيا.