×
محافظة مكة المكرمة

378 مليون درهم تصرفات العقارات في دبي

صورة الخبر

واقع تعيشه الأمة لا بد من مناقشته، لا يختلف اثنان على وجوب مراجعته وتداركه، ولا يُكتفى بمجرد طرحه وتنظيره، بل لا بد من المساهمة في إيجاد الحلول واستئصال الشوائب التي علقت بطريق الأمة "ربكم أعلم بما في نفوسكم" تتنازع قوى الشر والخير في هذه المعمورة، وتلك سنة الله في خلقه وحكمته في بريته، لا مخلوق يحيط بعلمه، ولا اعتراض على حكمه، ألْهَمَ كل نفس فجورها وتقواها، وجعل الفلاح كل الفلاح حليفًا لمن خالف هواها فزكاها، وعلى هذا المفهوم العام، يتحدث الخواص والعوام، إذن هنا يكمُن الجواب لسؤال طالما طرح، وفحواه: ما الذي يحدث للأمة؟ قتل واقتتال، وقذف وشتم، وسفك دماء وحروب ودمار، حتى: تكاثرت الظباء على خراشٍ فما يدري خراش ما يصيدُ هذا على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص تردت العلاقات بين بني الجلدة الواحدة، فلم تعد مثل ما كانت تسود الأجيال الأولى، فاشتد الجفاء والغلظة والهجر والشتم والسباب وسوء الأخلاق عند كثير ممن ينسب إلى الإسلام، وربما ألبست بعض تلك الأخلاق لباس الدين ونسبت إلى الصراط المستقيم. واقع تعيشه الأمة لا بد من مناقشته، لا يختلف اثنان على وجوب مراجعته وتداركه، ولا يُكتفى بمجرد طرحه وتنظيره، بل لا بد من المساهمة في إيجاد الحلول واستئصال الشوائب التي علقت بطريق الأمة. وكل مشكلات الأمة والعقبات التي تقف في طريقها؛ نواتها وأساسها وسببها البعد عن تعاليم سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، فلا بد إذن من أن نبحث عن العلاج هنا لكم، فإن حل كل الأزمات ومغلاق كل الثغرات التي دخل منها أعداء الأمة للتسلط عليها وعلى مقدراتها وخيراتها، لا بد أن يكون ثمّ، وهذا أمر محتم. قال حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم "حتى تراجعوا أمر دينكم"، وهنا يختلف المختلفون ويفترق المصلحون، ويتزاحم العلماء، ويتنافس الحكماء، بل وتسل السيوف وتقرع الطبول، كل ذلك ليثبت كل واحد من الأمة أن رأيه هو الرأي الصائب في مراجعة أمر الدين، وأن تلك المراجعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي ما هو عليه وجماعته، وأن منهجهم هو المنهج الذي يجب أن يخضع له ويتبع. وينطلق كل فريق بحسب مفهومه وإن شطّ، ويُعرّفُ الطريقة التي يجب على الناس الرجوع إليها بحسب ما أملى عليه فهمه، أو ربما بما يتناسب مع هواه، ويجعله الفيصل، بل ربما قسم الناس بعدها إلى فسطاطين، وجعلهم فريقين، فريق في الجنة، هم فريقه، وفريق في السعير، وهم من خالفه. ومن هنا كثرت الفرق والجماعات، وتكاثرت الكتب والمؤلفات، وتنوعت المقالات والخطابات، وتعددت المصادر والمرجعيات، ولعل بأكثرهم لم يصب معنى "المراجعة" مع يُسْرِهَا ودنوّ غصنها، وكأن شيئًا في النفس يمنع من تناولها، وينظر الناس إليها ولكن لا يبصرونها، وقد زويت لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم في قوله "الإثم ما حاك في النفس" مع قوله "إن هذا الدين يسر"، فكثير من المختلفين يختلج في صدره الحق ولكن يمنعه من اتباعه منصب أو جاهٌ أو شهرة أو، أو، الخ... وربما خالف الحق بحجة اتباع الحق، فقد يمر المار على نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية ظاهرة المعنى صريحة الدلالة، لكنها تخالف ما اعتاد عليه من رأي، وما اعتمده من اختيار، أو رجحه من قول، أو قد تفرّق عنه الجمهور، فيترك الحق وهو يراه، ويمكن أن يمسكه، وهذا واضح في كثير من المواقف التي يقع فيها أولئك المتأولون. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى في غير ما حديث، وأن الأمر أصلا متعلق بإرادة النفس ومعرفتها، وأن كثيراً من المخالفين لا يخالف إلا وقد وعظتْهُ نفسه ولكن لم يستجب لها، واتبع هواه، وسار مأمومًا للعادات والتقاليد والجماهير، ففي المسند عن النواس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ضَرَبَ الله تعالى مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبواب مفتّحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصّراط داعٍ يقول: يا أيها النّاس! ادخلوا الصّراط جميعاً ولا تتعوّجُوا، وداعٍ يدعو من فوق الصّراط فإِذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنّك إن تفتحه تلجه، فالصّراط الإسلام، والسّورانِ حدود الله تعالى، والأبواب المفتّحة محارم الله تعالى، وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب الله، والدّاعي من فوق واعظ الله في قلب كُ ل مسلم"، وإنما أوردت الحديث بكامله وإن كان المقال يستدعي اختصاره إلا أنك تجد نفسك في هذه الحقيقة مرارًا كثيرة، فكثيرا ما نمر على أحكام دوّنها الفقهاء هي أشبه بالعادات والتنطعات فنجد أن "في النفس منها شيئًا"، وهذه عبارة أطلقها كثير من الأئمة استنادًا لما تقدم، ولذلك يظهر في كثير من الأحايين، بونٌ شاسع وفرق واسعٌ بين بعض العلماء وبين جماهير الأمة، فتجده مثلاً يقرر حكما شرعيًا ويجمع له ما يراه أدلة، غير أنها لا تتوافق مع ما في النفوس من حب الحق فلا يبالي بها الناس، ويعود تأثيرها سلبًا على من أطلقها فتجده، يجهّل ويضلل ويبدع وربما يكفر لما يرى من مخالفة الجماهير له، وفي حقيقة الأمر تلك فتوى لم يقبلها واعظ النفس، والعكس صحيح هناك آراء أطلقناها ورأينا صوابها شنّع عليها كثير من أنصاف الفقهاء لكنها وجدت القبول والرواج بين أوساط الناس؛ ليس لأنهم همج رعاع كما يطلقه كثير من المتفقهة، ولكنها آراء وافقت ما في النفوس من حب الحق ولم يحكّ منها شيءٌ في الصدور فقبلتها النفوس المتتبعة لرائحة الحق. إذن، هي النفوس! إن هذبناها وزكيناها أصبحت مؤهلة لأن تحس وتلمس وتشم وهي التي قال عنها ربنا "يجعل لكم فرقانا" وبذلك نضع أقدامنا في الطريق الصحيح لمراجعة أمر ديننا الذي بمراجعته تصلح الأمة، فإذا أهملناها وخالفناها إلى الهوى ركبها الغي وتسيطر عليها حب الشهوات وكما قيل: لن ترجع الأنفس عن غيّها مالم يكن منها لها زاجرُ و"ربكم أعلم بما في نفوسكم" وهو سبحانه من وراء القصد..