باتت تونس، المصدر الأول لتصدير الإرهابيين حول العالم، هكذا تقول إحصاءات وتقارير دولية في هذا المجال، وهي الدولة العلمانية، التي تربى فيها أجيال على مناهج غربية، طبعًا البعيدة عن التطبيقات الدينية، مما يسقط المقولات الغربية التي تربط الإرهاب بالدين والمناهج الدينية. حذرت بدرة قعلول، رئيسة مركز تونس الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، من عواقب استفحال مخاطر الإرهاب في تونس بعد الهجوم على فندق سياحي كبير في منتجع سوسة، وعلى المتحف الوطني بباردو، وعلى أهداف عسكرية ومدنية تونسية كثيرة. ورفضت الخبيرة الأمنية التونسية اختزال أسباب ارتفاع نسبة الشباب التونسي المتورط مع الجماعات المتشددة التي ترحل المتطرفين إلى سوريا بالعوامل «الثقافية والدينية»، واعتبرت أن «غلطات الحكومات التي تعاقبت على تونس منذ يناير (كانون الثاني) 2011 تسببت في تجنيد مزيد من شباب تونس من قبل الإرهابيين، ثم ترحيل آلاف منهم نحو مناطق التدريب على السلاح، ومن بينها ليبيا وسوريا والعراق، إلى درجة أن التقارير الأممية والدولية أصبحت تجعل تونس في المرتبة الأولى عالميًا من حيث نسبة «الشباب المتطوع» للقتال في بؤر التوتر الإقليمية، خصوصًا في سوريا وليبيا. ووصفت بدرة قعلول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» نتائج الدراسات الأمنية والاجتماعية الجديدة عن انتشار ظاهرة الإرهاب والتطرف في صفوف الشباب بـ« المفزعة والخطيرة جدًا». وحملت مسؤولية ذلك للحكومات «التي تساهلت مطولاً مع التكفيريين والمتشددين دينيًا» رغم تحذيرات الخبراء الأمنيين والسياسيين مبكرًا من بروز مؤشرات عن إفلات مئات الجوامع والجمعيات وعدد من الأحزاب القانونية «الثورية» عن السيطرة. * من القاعدة إلى داعش * وذكرت بدرة قعلول أن رسالة الدكتوراه التي أعدتها في علم الاجتماع، ومجموعة الدراسات والتقارير التي أعدتها مع فريق من الباحثين، «حذرت مبكرًا من سيناريو تجنيد الشباب التونسي في التنظيمات الإرهابية، خصوصًا بعد أن أصبحت ليبيا بلدًا يسيطر على غالبيته متشددون، بعضهم معروف بانتمائه إلى تنظيم القاعدة، والبعض الآخر إلى تنظيمات إرهابية مغاربية جديدة، مثل: (أنصار الشريعة)، و(عقبة بن نافع)، و(أسد بن الفرات)، و(فجر ليبيا)، و(داعش)، وفصائل ليبية مسلحة كثيرة لديها مئات المسلحين والنشطاء التونسيين الذين يتدربون معها في تونس وليبيا، وسبق لبعضهم التدرب على العمل المسلح في سوريا والعراق وأفغانستان». وتوقعت تونس، ومركز الدراسات الأمنية والعسكرية التي ترأسه، أن تكون تونس العلمانية والحداثية زمن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، أصبحت «المصدّر الأكبر للإرهاب بسوريا، وأن المقاتلين التونسيين يتصدرون قائمة التكفيريين الأجانب الذين يحاربون في سوريا»، والذين قدرت مصادر دولية عددهم بنحو 5 آلاف، بينما كان العدد العام الماضي في حدود 3 آلاف. وبينت بدرة قعلول أن «تونس وليبيا أصبحا يوفران جميع الظروف الملائمة لتجنيد الشباب من قبل العصابات الإرهابية التونسية والليبية والدولية، وإغراء مزيد من العاطلين عن العمل والشباب اليائس وشبه الأمي ماديًا وآيديولوجيًا للهجرة إلى مراكز تدريب المسلحين في سوريا والعراق وليبيا بدعوى «المشاركة في الجهاد» وفي تأسيس (الدولة الإسلامية في الشام والعراق) ثم إعادة بناء (الخلافة الإسلامية)». * مسؤولية الحكومات المتعاقبة * وانتقدت بدرة قعلول التناقضات في مواقف تيار من الرسميين التونسيين، الذين ساهموا طوال أعوام في «انتشار الخطر الإرهابي والتكفيريين» في وقت كانوا يزعمون فيه إنجاز «أحسن دستور في العالم» و«أفضل حكومة في التاريخ» ويتشدقون بتحقيق «أهدف الثورة الشبابية السلمية» و«القضاء على العمليات الإرهابية في مهدها عبر الاستخبارات والعمليات الوقائية». كما انتقدت بدرة قعلول الأسباب التي أدت إلى استفحال الإرهاب وانتشار التنظيمات الإرهابية التكفيرية، وبينهم: «مشكلات الهوية، والحواجز النفسية، وغياب التحصين الملائم في ظل وجود دعاة التطرف، والتشجيع على الإرهاب تحت يافطات مغرية لقطاع من الشباب، بينها الخلط بين الجهاد في سبيل الله والمشاركة في جرائم قتل المواطنين والسياح أو التورط في قتل الأبرياء في ليبيا وسوريا والعراق». * تخمة جرعة الحرية * واعتبرت عالمة الاجتماع بدرة قعلول أن «العنف السياسي والمفهوم الواسع للإرهاب استفحلا في تونس وليبيا وعدة دول عربية بسبب الكبت وعدم ممارسة الحرية قبل الثورة والمرور فجأة إلى تخمة في جرعة الحرية؛ مما جعلها مرضية بعد الثورة». وحملت بدرة قعلول حكومات ما بعد «الربيع العربي» في تونس «مسؤولية انتشار التطرف والفكر التكفيري» بسبب عدم التحقيق مع جميع الأفراد الذين تدربوا وعادوا من سوريا وليبيا إلى جانب التقصير في البحث بجدية في ملف اختراق البلاد وعدد من أجهزة الأمن التونسية من طرف شبكات إرهابية ومافيات التهريب والجريمة المنظمة. واعتبرت رئيسة مركز الدراسات الأمنية والعسكرية التونسي أن «من غير المعقول الحديث عن مسار سياسي سلمي ناجح انتخابيًا في حين يزحف الإرهاب ويقوم بخطى ثابتة». ودعت قعلول السياسيين إلى «الكف عن الحديث بلغات خشبية والزعم بأنه تمت السيطرة نهائيًا على المساجد التي سيطر عليها متشددون (جهاديون) طوال مرحلة ما بعد الثورة». * المراهقون والشباب * كما تطرقت قعلول إلى الفئة العمرية الأكثر استقطابًا التي تشمل أساسًا فئة المراهقين والشباب «المتراوحة أساسًا بين 15 و30 سنة حيث تتوفر من بينهم نسبة هامة من المراهقين والمهمشين اجتماعيًا الذين سقطوا في فخ المشكلات النفسية جراء الفقر والبطالة، وهو ما جعل هذه الفئة هشة نجح (تيار الموت) على استقطابها لغياب الحصانة الثقافية والاجتماعية، وهي ظروف جعلت المجال مفتوحًا أمام الجمعيات والجوامع والحلقات (الدعوية) نتيجة التسيب بأتم معنى للكلمة، الأمر الذي جعل (التجارة بالبشر وأدمغته) أمرًا سهلاً». وحملت رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية حكومات ما بعد الثورة، خصوصًا حكومة الترويكا ما بين 2012 و2013 مسؤولية «التراخي السياسي والاختراقات من طرف جماعات سياسية متشددة ومخابرات إقليمية ودولية لأجهزة الدولة التونسية». * الاندساس في الأمن * في الوقت نفسه حذرت بدرة قعلول مع ثلة من الخبراء الأمنيين؛ مما يسمونهم «الأمن الموازي» و«الاندساس» داخل الجيش الوطني بما ينذر بالنيل من حيادية المؤسسات الأمنية والعسكرية الوطنية. واعتبرت قعلول أنه يجب اليوم اعتماد سياسة تجنيد للأمنيين والعسكريين تعتمد أساسًا على الوقاية والتأطير والمراقبة المجندين قبل التحاقهم بالمؤسسة العسكرية. كما لا ينبغي التقليل من قيمة العوامل الخارجية وتتمثل أساسًا في الوضع الأمني الهشّ في المنطقة العربية، خصوصًا في الجارة ليبيا التي تشكل مصدر تهديد ثابت وكبير لتونس، إضافة إلى وجود عامل داخلي يتعلق أساسًا بموضوع الأمن الداخلي والتهديدات الإرهابية المتزايدة. وفي ظل تأكد حالات الاندساس ومحاولات الاختراق، لا بد من البحث الأمني المركز للمرشحين لخطة رجل أمن أو عسكري مع متابعة المراقبة والحذر ضمانًا لحيادية المؤسسات السيادية الأمنية والعسكرية، ولنجاح سياسات التصدي للإرهاب داخليًا وخارجيًا، وضمان حماية أمن حدود البلاد، ورحمة ترابها الوطني». واستطرت قعلول قائلة: «أعتقد أن على رأس الأولويات إعادة النظر في الموارد البشرية للمؤسسة العسكرية وإحداث وكالة للأمن القومي بين مختلف الأسلاك الأمنية والعسكرية، تكون لها القدرة على جمع المعلومة وتحليلها بالسرعة المطلوبة لضمان التدخّل الناجع. ولا بد من توفّر إرادة سياسية جدية تعمل على إيجاد صيغ حديثة للسياسة الدفاعية».