اختلف المحللون المتابعون لعلاقات إيران مع الغرب، والعرب منهم بشكل خاص، في تقييم النتائج العامة للاتفاق الإيراني النووي وتأثيره على المنطقة وبلدانها. وقلة منهم توقفت عند نتائج الاتفاق على القضية السورية، التي لا شك أنها الأكثر أهمية في الوضع الإقليمي الراهن، لأنها الأكثر سخونة في الصراع الإقليمي، وخصوصا للطرفين العربي والإيراني المحتدم في امتداد هو الأوسع شاملاً العراق ولبنان وفلسطين وبلدان الخليج العربية إضافة إلى سوريا. والتوقف عند الموقف الإيراني في سوريا، يبين أن إيران تولي سوريا أهمية كبرى في سياستها الإقليمية. فنظام الأسد هو أقرب الأنظمة العربية إلى إيران، التي تملك معه تجربة طويلة من العلاقات والتحالفات، تمتد إلى أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، أكد فيها الأسد الأب وبعده الابن تمسكه بالتحالف مع إيران، وعبر هذا التحالف عن نفسه بقوة من خلال علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية عميقة، بل إنه خلق له أذرعًا سياسية وعسكرية مشتركة على نحو ما يمثله حزب الله اللبناني الذي أكد أنه أداة حاضرة لنظامي طهران ودمشق في كل المعارك، التي خاضها الاثنان منذ منتصف الثمانينات في المنطقة انطلاقًا من لبنان وامتدادًا إلى فلسطين والصراع مع إسرائيل وفي بلدان الخليج وصولاً إلى استخدامه المشترك في الحرب ضد الشعب السوري على نحو ما ظهر دور حزب الله في سوريا خلال أربع سنوات مضت. وتعدت أهمية سوريا لجهة إيران، أنها حليف ثابت وشريك إلى كونها حلقة ضرورية في عقد الهلال الشيعي الذي يوصل إيران من موقعها على الخليج العربي بالبحر المتوسط مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وهو ما لا يشكل قاعدة استراتيجية إيرانية فقط، إنما أيضا قوة تستخدمها إيران في نهج الثبات والسيطرة على المنطقة في إطار علاقاتها وصراعاتها الدولية، وبفضلها تكون إيران جارًا أقرب إلى أوروبا وعلى تماس مباشر مع إسرائيل، التي تعتبر في أحد تجسيداتها قاعدة متقدمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وسط تلك الرؤية الإيرانية للعلاقة مع نظام الأسد، بدا من الطبيعي، أن تقدم إيران كل أنواع الدعم والمساندة لنظام بشار الأسد في أزمته السورية منذ بدايتها في 2011. فقدمت له المساندة السياسية، ثم المساعدات الاقتصادية والمالية، وخبرات الأمن والتكنولوجيا وخصوصا الأمنية، قبل أن تدفع قواتها للانخراط في حرب النظام وفي عملية الدفاع عنه من خلال إرسال قوات من الحرس الثوري وفيلق القدس، بعد أن دفعت أدواتها اللبنانية والعراقية وغيرها للقتال في صف النظام، وكله جرى في ظل مستوى من الانفلات الإيراني من الالتزامات، تمثل حالة تصل حد التمرد في السياسة الإقليمية والدولية، التي لم يكن المشروع النووي الإيراني خارجها. وبغض النظر عن محتويات وتفاصيل الاتفاق النووي الإيراني، فإنه يمثل إعادة عقلنة وربطا لسياسة إيران في المستويين الإقليمي والدولي، بسبب ما يتضمنه من التزامات إيرانية في العلاقة مع المجتمع الدولي وخصوصا في معالجة الأزمات والمشكلات عبر القنوات السياسية وهذا ما أكدته النصوص المعلنة، وهو أمر ملموس في صلب النصوص غير المعلنة (السرية)، التي أشير إلى أنها تتضمن التزام إيران في الوقوف ضد الإرهاب وجماعاته، والتزام إيران وقف دعم الأنشطة الإرهابية وتمويلها بما فيها تمويل أنشطة حزب الله اللبناني المصنف في القائمة الدولية للمنظمات الإرهابية. الانعكاس المباشر للاتفاق النووي الإيراني على الوضع السوري وعموم أوضاع المنطقة، سيكون تقييدًا لسياسة إيران وتدخلاتها ودعمها لأدواتها في المنطقة ولا سيما حزب الله اللبناني الأكثر تدخلاً في القضية السورية وخصوصا في الالتزام بوقف الدعم المالي عنه، لكن تحقيق ذلك مرهون بفاعلية وجدية المتابعة والرقابة الدولية لسياسة إيران في المنطقة وفي سوريا خصوصًا، وفي إجبارها وأدواتها وحلفائها على وقف خيارات الحرب والعنف، والذهاب إلى تسويات سياسية للصراعات بما فيها الصراع السوري الذي ما زال نظام الأسد وحلفاؤه، يصرون فيه على الحل الأمني العسكري. خلاصة الأمر في الوضع السوري بعد الاتفاق النووي الإيراني، أن الأخير يحمل فرصة تقييد سياسة إيران وحلفائها في سوريا، لكن تجسيد ذلك بصورة عملية وواقعية يحتاج إلى مسؤولية وجدية من جانب الدول التي ستوقع الاتفاق وخصوصا الولايات المتحدة، التي ما زال تعاملها مع الملف السوري في حدوده الدنيا من المسؤولية والجدية اللازمتين.