كانت 6 ساعات فقط، الفاصلة بين حياته الاعتيادية وبين حادثة مقتله الغامضة إلى لآن، صلى آخر صلواته في منزله على غير المعتاد، وخرج بعدها على عجل ليستقل سيارة لا أحد يعرف من كان فيها، ولماذا جاء له وأين ذهب به، تاركا - ربما ناسياً أو عامداً- فمن يدري!، هاتفه النقال في منزله في جدعلي. لم يكن يعرف أن قدره اختار له الرحيل ليلة الجمعة، القدر ذاته هو الذي منعه أن يودع زوجته وابنيه وداع فراق الحبيب لأحبابه، قال لهم هي لحظات وأعود، لكنها كانت ست ساعات كاملة عاد بعدها، لكن جسدا بلا روح. أي دموع تلك التي ذرفتها زوجته بعد أن سمعت ما حل به وما جرى عليه، وأي شجن اعترى فلذتي كبده - هذا إن كانا أخبرا ووعيا لما أصاب والدهما-، وأي نحيب لازم أهله ومحبيه بعد مشاهدتهم لجثته التي رسمت فيها الضربات والجروح لوحة دموية لا تمحوها ذاكرتهم، ضربات وجروح لا أحد يعلم حتى اللحظة من فعلها، وكيف، ولماذا، وأين، ربما هي أسئلة قد توفّر إجاباتها الجهات الأمنية التي لاتزال العائلة تنتظر نتيجة تحقيقاتها لجلاء الحقيقة الغائبة. «الوسط» زارت عائلة المرحوم علي عبدالله العرادي في مسقط رأس الفقيد في عراد أمس السبت (25 يوليو/ تموز الجاري)، والذي توفي مساء الخميس الماضي في ظروف غامضة، بعد أن وجد غارقا في مبنى قيد الإنشاء يضم مسبحاً في منطقة أم الحصم، وقالت: إن «علي تلقى تهديدات متكررة من أحد الأشخاص إثر خلاف معه على شأن مالي على قضية أسهم استمر لسنوات في القضاء، قبل أن ينتهي في المحاكم قبل قرابة عام، بالحكم لصالح علي، غير أنهم لا يوجهون الاتهام إليه أو إلى غيره، إلا أنهم يطالبون الجهات الأمنية وعلى رأسها النيابة العامة ووزارة الداخلية بأن يكون التحقيق شفافاً في حادثة وفاة ابنهم لكشف الحقيقة، وأخذ جميع الإفادات في اعتبارهم». وروت العائلة ما تملكه من تفاصيل بشأن الحادثة، حيث قال أخوه الأكبر عيسى عبدالله العرادي إن «علي اخبر زوجته ليلة الحادثة (ليلة الجمعة الماضية)، أنه سيكون مشغولاً، وانه على موعد، وعلى رغم انه كان يصلي عادة في المسجد، فإنه في ليلتها صلى في بيته في جدعلي، حيث كان ينتظر أحد الأشخاص ليمر عليه وعندما جاءه اخبر زوجته انه سيخرج للحظات وسيعود، حتى انه لم يأخذ هاتفه النقال معه أثناء خروجه». وأضاف «خرج علي البالغ 50 عاما (مواليد 1965)، ولديه ولد وبنت، قرابة الساعة السابعة مساء ليلة الجمعة، وكانت زوجته على وجل بسبب تأخره في الرجوع ولم تكن تستطيع التواصل معه؛ لأن هاتفه النقال ظل في البيت، غير أن الشرطة جاءوا إلى القرية (عراد) عند الساعة الواحدة فجر الجمعة ومعهم صورة للفقيد، وقصدوا منزل عمه وعرضوا عليه صورة علي بعد الحادثة للتعرف عليه، ويبدو أن مجيئهم لعراد وليس إلى جدعلي حيث بيته كان ربما بسبب أن عنوانه المسجل لديهم في عراد وليس في جدعلي، أو ربما لأسباب أخرى لا نعلمها». وتابع «عندما تعرفت العائلة على الصورة، اخبرهم رجال الأمن انه مصاب في بركة في أم الحصم، وتلقى احد إخوته اتصالا لاحقاً من مركز القضيبية يطلبون منه مراجعة المشرحة للتعرف على جثة علي والتأكد منها، كما تم التواصل مع زوجته في مركز النبيه صالح حيث تم اخذ أقوالها، بالإضافة إلى أن رجال الأمن جاءوا إلى منزله وأخذوا معهم هاتفه النقال للتعرف على الجهات التي اتصلت به أو اتصل بها في ذلك اليوم». وأفاد «كل هذه الأمور تمت ليلة الجمعة، وفي الصباح توجهنا لتسلم تقرير الطبيب الشرعي عن الوفاة، حيث تفاجأنا أن التقرير كتب فيه أن سبب الوفاة هو سكتة قلبية نتيجة الغرق، في حين أن الطبيب الشرعي ذكر لنا أن هناك آثاراً واضحة لربطه بحبل حاد (خيط صيد «ميدار»)، في يديه ورجليه ورقبته بالإضافة إلى كسر ضلعين في صدره فيما وجدنا أن رأسه كان مفضوخًا بسبب ضربة واضحة على رأسه بشيء حاد، لدرجة أن نزيف رأسه لم يتوقف أثناء تغسيله إلا بعد أن تم تجبيره بالجبس، وليس صحيحاً ما ذكر من آن الآثار التي في رأسه سببها التشريح لدى الطبيب الشرعي كما قالت النيابة العامة في بيانها الذي بثته مساء أمس السبت». وأردف العرادي «وثقنا بعد تسلمنا جثة المرحوم علي وجود كسر في الأضلع في الجانب اليسار من صدره، بالإضافة إلى أن رقبته كانت مكسورة ولدرجة أن عظمه كان بارزا، وهناك آثار واضحة لربطه وتقييده بشيء حاد في الرقبة والرجلين والأيدي، بالإضافة إلى آثار احمرار واسوداد في نواحٍ متفرقة في جسمه نتيجة الضرب، في حين أن تقرير النيابة العامة يشير إلى تقييد رجليه ورقبته فقط، فماذا عن أثر التقييد الواضح الموجود في يديه؟ هذه أسئلة نحتاج كعائلة إلى إجاباتها من الطبيب الشرعي والنيابة العامة». وواصل «طلبنا من الجهات المعنية كتابة هذه الأعراض في التقرير، إذ ليس من المعقول أن يكتب في تقرير الوفاة تعرضه لسكتة قلبية بسبب الغرق في حين أن كل هذه الإصابات موجودة في جسمه، غير أنهم اخبرونا أن التقرير يكتب بهذه الكيفية، وان الطبيب الشرعي كتب تفاصيل أخرى موسعة وسلمها إلى النيابة العامة». وأكمل «المرحوم كان يعمل في وزارة الصحة، غير انه انتقل لاحقا إلى العمل الحر، حيث عمل في بناء شركات تأمين وتدقيق والاستثمار، ولا نتوقع أن الموضوع فيه جانب سياسي؛ لأنه لم يكن من النوع الذي يملك نشاطا سياسيا أو يشارك في مثل هذه الأمور». وأضاف «نحن نرى فعلا أن الحادثة غامضة وغير مبررة، ربما من المفيد أن نذكر أنه استدعي قبل سنوات (قرابة 6 سنوات)، إلى التحقيقات الجنائية للتحقيق معه في قضية أسهم، وعلى رغم عدم ثبوت شيء عليه فإنه تم منعه من السفر، بسبب نفوذ الشخص المدعي عليه، ثم انتقلت القضية إلى النيابة العامة وبعدها إلى المحاكم حيث صدر الحكم لصالحه قبل قرابة العام، إلا انه كان يتلقى باستمرار تهديدا بسبب هذا الموضوع حتى بعد صدور الحكم لصالحه». وشدد «نحن هنا لا نتهم أحدا، إلا أننا نقدم ما نملك من معلومات من اجل أن تقوم وزارة الداخلية والنيابة العامة بأخذ هذه الأمور في اعتبارها عند التحقيق في حادثة مقتله الذي نطالب بسرعة الانتهاء منه وانجازه وتقديم المتورطين إلى العدالة». وواصل «الرواية التي سمعنا بها، أن علي وجد غارقا في أحد المباني قيد الإنشاء في أم الحصم رواية يلفها الكثير من التساؤلات، وخاصة أن هذه البناية قريبة جدا من مركز شرطة أم الحصم وكان الحارس الذي يقوم بحراستها متواجداً، وكانت كل الأبواب فيها مغلقة، وكان بإمكانه سماع الأصوات بوضوح في الليل حيث يسود الهدوء، فكيف لم يسمع صوت الضرب وصوت المرحوم وهو يضرب ويلقى في المسبح، وكيف أدخل علي إلى المسبح وهو يقع في أعلى البناية من دون أن يلاحظ الحارس ذلك وكل الأبواب مغلقة؟». وأوضح «سمعنا أن حارس البناية وهو آسيوي الجنسية هو من اكتشف الجثة وقام بالإبلاغ عنها، ونحن نحتاج إلى أن نستمع إلى الرواية الحقيقية كاملة من الجهات الأمنية؛ لأن من حقنا أن نعرف تفاصيل مقتل علي بهذه الصورة البشعة التي يتأثر بها كل إنسان». وذكر العرادي «صراحة نتوقع أن تهتم وزارة الداخلية والنيابة العامة بالتحقيق في الحادثة بشكل أكثر سرعة مما هي عليه الآن، فعلى رغم مرور يومين مما جرى فإننا لم نتلق اتصالا منهم إلا يوم السبت للاستماع إلى أقوالنا اليوم الأحد لبدء التحقيق والاستماع إلى أقوالنا، ونحن بدورنا لم نتواصل معهم قبل ذلك بسبب ظروف التشييع والعزاء». وختم بالقول: «نحن نناشد وزارة الداخلية والنيابة العامة أن تقوم بواجبها ودورها بالسرعة المطلوبة، اليوم البحرين كلها تتحدث عما جرى بصدمة، ونحن نتحدث عن أن مكان الوفاة كان في منطقة معروفة ومزدحمة بالناس وقريبة إلى مركز شرطة، فهل يعقل أن يحدث كل ما جرى من دون أن تتوصل الجهات الأمنية إلى القاتل بسرعة؟».