تُدركني الغَفْلَة دَائماً -أَعْنِي غَفلة الصَّالحين- أُولئك المُطرقون في مِحرَاب أفكَارهم، الذَّاهلون عَن الآخرين، الغَافلون عَمَّا حَولهم، لَا يَستفزهم في الحيَاة إلَّا الفِكْر والجَمَال، والخَير والإبدَاع..! كُنتُ أتضَايق مِن هَذه الغَفْلَة، وظَننتُها عَيبًا، ولَكن حِين تَدبَّرتُ سِيَر العُلَمَاء الكِبَار مِن أمثَال: (آينشتاين وأديسون، والخليل بن أحمد الفراهيدي، والجاحظ، وأبي منصور الثعالبي).. حِين تَدبَّرتُ حيَاتهم؛ وَجدتُها لَا تَبتعد كَثيراً عَن حيَاتي، وحتَّى نُدلِّل عَلَى ذَلك، إليكُم مَا ذَهَب إليهِ الأستاذ «سمير شيخاني»، حِين تَكلَّم عَن أديسون في كِتَابه: «حَقائق أغرَب مِن الخيَال»، ووَصَفَه بأنَّه كَان ضَعيف الذَّاكِرة، خَاصَّة في أيَّام شَبَابه.. حَيثُ قَال الأستاذ «سمير» في كِتَابه: (كَان أديسون يَنسَى في المَدرسَة كُلّ مَا يَتعلَّمه، لِذَلك كَان دَائِما يَأتي مُتأخرِّا عَن زُملَائه؛ مِن حَيثُ الدَّرجَة، ويَئِسَ مِنه أَسَاتذته, وصَرَّحوا بأنَّه خَفيف العَقل، أَبْلَه, لَا فَائدة مِن تَعليمه.. أمَّا الأطبَّاء فتَكهّنوا أنَّه مُصَاب بمَسّ، نَظرًا لشَكل رَأسه الغَريب. وذَات يَوم كَان مُنْهَمِكًا في حَلّ معضلة عِلميّة، واضطر للذِّهاب إلَى المَحكمَة، ليُؤدِّي مَا عَليه مِن ضَرائِب, ولَبِثَ وَقتًا قَصيرًا وَاقفًا في الصَّف، مُنتظرًا دَوره, فلَمَّا جَاء دَوره لَم يَتذكَّر اسمه، ولَاحظ أَحَد الوَاقفين بجَانبه ارتبَاكه، فذَكّره بأنَّ اسمه «توماس أديسون»، وقَد صَرّح -وَقتئذ- بأنَّه لَم يَستطع تَذكُّر اسمه، حَتَّى لَو كَانت حيَاته مُعلَّقة عَلى ذَلك)..! ويُضيف البَاحث «سمير شيخاني»؛ أنَّ العَالِم أديسون (اعتَاد أنْ يَمضي الليل وهو يَعمل في مُختبره, وفي صَبَاح يَوم مِن الأيَّام، كَان يَنتظر طَعام إفطَاره ليَأكل، فإذَا بِه يَستسلم للنَّوم. فأرَاد أَحَد مُساعديه أنْ يُمازحه، فوَضَع أمَامه عَلى المَائِدة الطَّبَق، وعَليه الصّحون الفَارِغَة، بَعد أنْ أَكَل هو طَعَامه، وحِين استيقَظ أديسون، رَأَى الصّحون الفَارِغَة، وفنجان القَهوة الفَارِغ, وكَسَرَات الخُبز، فظَنَّ أنَّه أَكل قَبل أنْ يَنَام، فتَراجع قَليلا عَن المَائِدة، وأشعَل سِيجَارة ثُمَّ انصرَف إلَى عَمله، دُون أنْ يُخَامره الشَّك في شَيء، ولَم يَعلم بحَقيقة مَا حَدَث؛ إلَّا بَعد أنْ انفَجَر مُسَاعدوه ضَاحكين)..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنَّ غَفلة الصَّالحين لَا حدُود لَهَا، وإنْ كَانُوا أكثَر مِن الأطفَال سَذَاجَة وبرَاءَة..!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com