×
محافظة المنطقة الشرقية

مسرحية «الوجيه ابن الوجيه» تعزز مفهوم الوحدة الوطنية .. ويجمع مختلف الأطياف

صورة الخبر

بعد ما يزيد عن عشرين شهراً من مفاوضات مكثّفة بين إيران من جهة، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا من جهة أخرى، تم الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني. دليل جديد يبرز أهمية طاولة المفاوضات كبديل لساحات المعارك والحروب، وخيار مجدٍ بل ومثمر في حلّ النزاعات الدولية حتى الشائك والمعقّد منها، ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الى القول إن الاتفاق يمثل دليلاً قوياً وشاهداً على قيمة الحوار والتفاوض، معبّراً عن إعجابه بالمفاوضين. الاتفاق، بقدر تعلّق الأمر بالمصالح لم يكن متوازناً، ذلك أن الطرف الذي قدم تنازلات هائلة تمسّ السيادة والكرامة هو إيران، ومن الآن فصاعداً سيحصي الغرب حتى أنفاس إيران، وليس فقط صناعاتها العسكرية وبرنامجها النووي والمغامرات المتعلّقة بها، بعدما أبقى على العقوبات المتعلّقة بدعم الإرهاب. تجربة الغرب مع العراق ستتكرر. المفاوضات لم تنجح لمجرد أن المتفاوضين يملكون حساً استثنائياً ورغبة في السلام، ويتميزون بمهنية راقية في التفاوض، ولا هي الأجواء المريحة مرة في فيينا وأخرى في باريس وثالثة في بروكسيل... لا هذه ولا تلك. ما أنجح المفاوضات وأجبر إيران على قرارات مؤلمة، هو من جانب، إبقاء الغرب على الخيار العسكري ماثلاً بالأساطيل البحرية على مرمى حجر في مياه الخليج العربي محمّلة بالطائرات وصواريخ «كروز» و «توماهوك»، التي تضاعفت خلال فترة التفاوض، ومن جانب آخر تنامي غضب شعبي ولا سيما من الشباب، قد يخرج عن السيطرة إذا لم تتدارك الحكومة الإيرانية الوضع الاقتصادي المتردّي بسرعة، وتضع حداً للعقوبات الاقتصادية القاسية التي أثقلت كاهل الوطن والمواطن. الغرب فاوض إيران وهي تحت الضغط، لذلك نجحت المفاوضات، ولو لم تكن هناك ضغوط لما حصل اتفاق، بل تسويف ومماطلة، كذب وتضليل وتقيّة، مناورات لا نهاية لها، «الشيطان الأكبر» ومعه «محور الشر»، يتقنانها من دون شك، ومع ذلك لا أحد يبز إيران في هذه المهارات، فالإيرانيون والحق يقال، أساتذة (ماسترز) في هذا الشأن، وعلى رغم ذلك فشلوا هذه المرة والفضل للضغوط التي مورست عليهم. في حساب الربح والخسارة، إيران بالمطلق هي الطرف الخاسر، والمفاوضات في قضها وقضيضها كانت تجري في مساحة مصالح إيران الحيوية فحسب، وما آلت إليه هذه المفاوضات بل ما تم الاتفاق عليه، هو ببساطة حصيلة مقايضة بين مصلحة إيرانية اقتصادية ومصلحة إيرانية استراتيجية تكنولوجية، حررت فيها إيران أموالها المجمّدة لكنها قيّدت نشاطاتها النفطية والبنكية والملاحية والتجارية، ووافقت على تحجيم مخرجات برنامجها النووي وتعليق طموحاتها النووية. الغرب لم يفرّط بموارده بل وظّف أموال إيران نفسها في كبح جماح برنامجها النووي. ليس هذا فحسب، بل إن القبول بإخضاع منشآتها النووية على اختلافها للمراقبة، بل وحتى المرافق والأماكن الحساسة، ما يوحي بأنها عسكرية بحتة، هو تفريط بالسيادة، وهكذا تكون إيران قد باعت سيادتها وكرامتها بثمن بخس. لن يغير الشعار المستهلك «الموت لأميركا» «الموت لإسرائيل»، من واقع الحال بعد الآن، إذ إن الحقائق تشير الى أن ايران اختارت فعلاً وبدل ذلك، شعار «الموت للسيادة». المحافظون في إيران وفي مقدّمهم «الحرس الثوري»، على دراية بهذه الحقائق ولهذا يرفضون، أما الإصلاحيون فهم يتجاهلون في خطابهم التنازلات الاستراتيجية التي وافقت عليها إيران، ومن بينها استخدام ثلث أجهزة الطرد المركزي فقط، وتخفيض التخصيب الى 3,67 في المئة بدلاً من 29 في المئة، وتسويق اليورانيوم المخصب الى الخارج، وإجبارها على شراء الوقود النووي من روسيا، وتحويل مفاعل آراك من إنتاج الماء الثقيل الى الماء الخفيف، وتحويله بالكامل الى أغراض سلمية. لن تبني إيران أي مفاعل نووي جديد على مدى 15 سنة، وضع تجارب مفاعل فوردو تحت إشراف المجتمع الدولي... الخ، فالمحافظون بالكاد يذكرون حسنات أو مكتسبات ذات مغزى، غير حديث لا يسمن ولا يغني من جوع، كالحديث عن الانتعاش الاقتصادي المنتظر بعد تحرير ثروة إيران من الحجز، وإطلاق الاقتصاد من الحصار، وانتهاء عزلة إيران وعودتها الى المجتمع الدولي، والاعتراف بها قوة نووية، وأنها الدولة الأقوى في الشرق الأوسط... إلخ. على رغم التصويت بالإجماع من جانب أعضاء مجلس الأمن، تباينت المواقف على الصعيد العربي بين مرحّب ومهنئ، وآخر موافق بحذر، وثالث فضّل التريّث والانتظار، ورابع رافض ومتشائم... المحصّلة، استقبال عربي فاتر على رغم أن الاتفاق حصل واكتسب الشرعية الدولية، لكن أبرز الرافضين والمندّدين كان إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. الرفض لغرض الرفض ليس إلا، وسيلة وليس غاية، وهي فرصة لن تعوّض أبداً يمكن استثمارها في ابتزاز الرئيس أوباما المتهافت جداً على إنجاح الاتفاق، حيث لا شيء في السجل على مدى سبع سنوات، يصلح لكتابة إرث رئيس يفخر بإنجازاته وليس لديه حتى الآن سوى ما اشتهر به أوباما من غياب الرؤية، والتردد، والحركة الوئيدة، والتنصّل من الالتزامات، وتغيير المواقف في اللحظة الأخيرة، وتقديم التنازلات من دون مبرر... هذا اللهمّ إلا إذا كان الرئيس أوباما يعتبر أن تشريع زواج المثليين إنجاز إنساني وحضاري يمكن أن يفتخر به رئيس! بينما يصرخ نتانياهو رافضاً ومندداً ومتخوفاً من الاتفاق النووي، فإن عينيه على عقود مؤجلة ومطالب كانت رفضتها الإدارة الأميركية، إضافة الى قائمة تسليح جديدة، يسعى الى الحصول من خلالها على امتيازات استراتيجية أو أمنية أو اقتصادية. ألم يتحدث الرئيس عن دعم غير مسبوق لإسرائيل؟ إذاً، عليه أن يبرهن عن ذلك، لقد حان الوقت للسداد، لن يتراجع الرئيس أوباما، وهو أكد ابتداءً أنه سيواجه رفض الكونغرس بالفيتو، بل سيسعى الى تشريع الاتفاق النووي بأي ثمن، والثمن هنا إرضاء إسرائيل واللوبي الصهيوني، ومن المتوقع أن يضطر للسخاء والكرم بما لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقة الأميركية - الإسرائيلية. هذا ما سيحصل، والخاسر الوحيد هو نحن، العرب، حيث حُرمنا من حق المشاركة في المفاوضات ابتداء، كما فشلنا في استثمارها بالابتزاز لاحقاً، بينما لا يزال لدينا الكثير يمكن أن نطالب به الإدارة الأميركية.