بعد أقل من أسبوعين من انتهاء مهلة تصحيح أوضاع العمالة، تطرح مجموعة من الأسئلة حول نتائجها وتأثيراتها على سوق العمل، في حين تشير المؤشرات الأولية إلى أنها ساهمت في توفير عشرات الأولوف من الوظائف في القطاع الخاص، نظرا للحجم الكبير للعمالة المغادرة. كيف يقيم المختصون والخبراء نتائج تصحيح أوضاع العمالة الوافدة ، وكيف يمكن تحصين هذه النتائج واستغلالها لتعزيـز سوق العمل وتوطين الوظائف. في البداية رصدت دراسة كاملة لما يقارب من 34 حلا لإنهاء أزمة البطالة بشكل نهائي في المملكة، حسب المعطيات المتوفرة في الدراسة التي سيتم رفعها خلال الربـع الأول من العام الهجري الجاري إلى عدة جهات حكومية معنية منها وزارة العمل بعد أن استوفى القائمون على تلك الدراسة كافة المسوحات الخاصة بمناطق المملكة. وحددت أسباب وتداعيات البطالة، واضعة جملة من الطرق التي يمكن من خلالها توفير مئات الآلاف من الفرص الوظيفية القادرة على تحول المملكة إلى قوة اقتصادية عالمية في ظل الضعف والتدهور الذي تعاني منه اقتصادات عالمية كبرى. كما كشفت مصادر مطلعة أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني قد شرعت في وضع برامج وحقائب تدريبية متكاملة المدة والمحتوى في العديد من المهـن لتدريب السعوديـين الراغبين في الانخراط فيها تمهيدا للبدء في تسكين الوظائف المهنية والفنية المرتبطة بمختلف القطاعات الاقتصادية بموظفين سعوديين مؤهلين، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن تلك الوظائف ستسهم في خفض حجم البطالة إلى مستويات متدنية. من جهتـها وضعت لجنة التدريـب الوطنية التابعة لمجلس الغرف السعودية تقديرات لمدة تدريـب المتدرب السعودي تصل إلى 24 شهرا منها 18 شهرا للدراسة و (6) أشهـر للتطبيق العملي لكي يصبح المتدرب جاهزا لإشغال الوظيفة المهنية أو الفنية. تفاعـل إيجابي «عكاظ» استطلعت آراء عدد من الخبراء والمختصين.. ففي البداية تحدث الدكتور علي العمري الخبير في مجال التدريب فقال يمكن حاليا استغلال الظروف التي أفرزت عددا من من الوظائف في سوق العمل وذلك بالبدء في حصر كل تلك الوظائف من قبل الجهات المعنية بالتعاون مع القطاع الخاص وبما يتوافق مع متطلبات السوق، تمهيدا لتحديد حقائب التدريـب المناسبة لمستجداته. وأضاف العمري بقوله: إن مهلة التصحيح التي مضت كشفت عن خروج أعداد كبيرة من السعوديين الباحثين عن عمل، وزاد تفاعل أولئك الباحثين بعد بدء حملات التفتيش على العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل بالمملكة ابتداء من أول محرم الجاري مما يعطينا مؤشرا واضحا بأن هناك رغبة من قبل السعوديين في إشغال الوظائف المهنية والفنية التي كان يخشى القطاع الخاص من الإقبال عليها. وأكد العمري على وجود قاعدة معلومات تغذى بجميـع متطلبات سوق العمل وبالراغبين في التدريـب لتلبية تلك المتطلبات ثـم البدء في إدخالهم ضمن حزم تدريـبية مستمرة، وهذا هو الوقت المناسب لكي تضطلع معاهد التدريـب بدورها الحيوي الأمر الذي سيساعد بشكل مباشر في حلحلة أزمة البطالة، وإذا كان الوضع في إطاره الصحيح فإن البطالة ستنتـهي في المملكة خلال وقت قصير. التدريـب مطلـب وحول حجم التدريـب المفترض منحه للمتدرب السعودي لكي يكون قادرا على سد فراغ الوظائف المهنية والفنية الناجمة عن ترحيل العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل، أوضح رئيس لجنة التدريـب الوطنية التابعة لمجلس الغرف السعودية الدكتور عبد الرحمن الربـيعة أن الفترة تحتاج لمدة من عام إلى عامين حتى يصبح المتدرب جاهزا لسوق العمل بالشكل المطلوب. وقال: مثل هذه العمليات التدريـبية لابد من منحها الوقت الكافي لأنها تـتطلب شقين مهمين أحدهما نظري والآخر عملي تطبيقي لأن الوظائف المهنية والفنية لا يمكن أن نجعل المتدرب ينهيها في 6 أشهـر فقط؛ فهذه المدة القصيرة ستجعله يدخل إلى سوق العمل غير مؤهل. وأضاف الربـيعة: نحن مقبلون على فرص وظيفية هائلة لأن حجم العمالة المغادرة من المملكة كبير جدا، مشددا على أهمية أن يكون هناك تنسيق مباشر ومستـمر في الجانب التدريبي بين الجهات الحكومية المعنية كوزارة العمل وبين لجنة التدريـب الوطنية باعتبارها ممثـل القطاع الخاص في هذا المجال. معالجـة بطالـة النـساء أما سهام سليمان الباحثة الأكاديمية فقد أكدت على ضرورة تأمين العنصر النسائي بوظائف تلائمها في ظل وجود قلة فرص عمل بين صفوف النساء السعوديات، وقالت: إن مسألة تأنيث محلات المستلزمات النسائية في المرحلتين الأولى والثانية له مفعول إيجابي لكنه بالتأكيد لن يحل المعضلة بشكل نهائي. وأضافت سليمان: نحن في حاجة ماسة إلى تنوع كبير في المشاريـع وبخاصة الصناعية منها لأن الصناعة هي الوسيلة الملائمة للتقليل من حجم البطالة بمعدلات كبيرة يشعر بها المجتمع، والجانب الصناعي مليء بالفرص الوظيفـية للمرأة، وبما يحافظ على خصوصيتها بل إن هناك من الفرص في المجال التجاري ما يساعد على تفعيل دور الأسر المنتجة التي تسهم بالتأكيد في تحويل أعداد من العاطلات عن العمل إلى منتجات قادرات على دعم اقتصاد منطقتهن. كشاف اقتـصادي لجميـع المـدن وقال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة المدينة المنورة عبد الغني الأنصاري: إذا أردنا القضاء على البطالة في المملكة بطريقة مدروسة فلابد لنا أن نعلم ماهية الاقتصاد الذي نسعى إلى التخصص فيه والوصول إليه عام 2040 م ليتم في إثـر ذلك وضع الخطط الإستراتيجية من الآن، على أن يشمل المخطط كافة الميزات النسبية لأن ذلك سيجعلنا نقف على فرص العمل التي ستتـوفر وعندما تحصى الأعداد الوظيفية المطلوب إشغالها ازداد حجم الاستثـمارات التي تؤدي إلى المزيد من الفرص الوظيفية الكبيرة. وأضاف الأنصاري: يتحتـم علينا الخروج من النمطية الإحلالية والخطوات مرحلية التي تنتهي بمجرد انتهاء الوظائف المتاحة والانتقال إلى مرحلة إنشاء مصانع متخصصة في صناعة معدات النفط وقطع الغيار، موضحا أن وجود مثـل هذه الصناعات في المملكة ينتج فرصا وظيفية كبيرة جدا ومتعددة ويساعد في فرض نفوذ جديد على الدول التي تمتلك النفط ولا تستطيع استخراجه. وحول أفضل السبل للدخول في القطاعات الاقتصادية العالمية خلال الوقت الراهن، قال: الأموال المتوفرة في المملكة قادرة على شراء حصص كبيرة في المصانع العالمية الكبرى سواء المتخصصة في التقنيات الذكية أو في صناعة السيارات والطائـرات لأن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية فرصة مثالية لاختراق تلك الصناعات ونقلها أو نقل أجزاء منها إلى المملكة، وبذلك النقل سيتـم توفير كم هائل وكبير من الفرص الوظيفية للسعوديين في ظل الاستقـرار السياسي والاقتصادي للمملكة. ومضى يقول الأنصاري: يمكن لهذه الأعمال أن تنطلق من خلال عمل كشاف اقتصادي لكل منطقة أو مدينة في المملكة؛ على أن يتولى ذلك الكشاف مهمة تحديد المزايا النسبية التي تتـمتع بها كل منطقة ومدينة من أجل تحديد نوعية العمل الذي سيتم تخصيصه لتلك المناطق وعلى ضوء النتائج الكشفية يتم حصر الأعمال والوظائف اللازمة لإنجازها ومن ثـم يتم إنشاء المعاهد لتخريج الأعداد المطلوبة لإشغال تلك الوظائف، وبذلك يصبح أبناء المنطقة يعملون في مناطقهم بما يضمن عدم خروجهم إلى المدن الكبرى للبحث عن وظائف الأمر الذي يؤدي إلى تنمية الأرياف بشكل تلقائي في ظل مشاريـع النقل والقطارات التي تعكف عليها المملكة حاليا، وبالتالي فإن وضع الكشاف الاقتصادي في الغرف التجارية الصناعية البالغ عددها 28 غرفة سيسفـر عنه بروز الآلاف من الوظائف الجديدة المطلوب إشغالها بسعوديـين مؤهلين. وعن المحلات الصغيرة وقدرتها على استيعاب الباحثين عن العمل، قال الأنصاري: باتـت الحاجة ملحة لإصدار تنظيمات بشأن المحلات الصغيرة المنتشرة في الشوارع لأنها تعاني من الفوضى المفتقدة للتنظيم، وتلك الفوضى أسهمت في توسيع دائرة التستر التجاري في ظل ازدياد أعداد العمالة فيها لتسهم تلك المحلات مع مرور السنوات في حل أزمة البطالة الموجودة في الدول الأخرى لأن العامل يصبح صاحب العمل في ظل كفيله الذي ارتضى الحصول على مبلغ شهـري ثابت تاركا بقية الأرباح لذلك العامل رغم أن تلك المحلات يفترض بها أن تكون حلا حاسما للبطالة وقوة اقتصادية بحسب الأرقام الرسمية المعلنة. وتابـع قائـلا: عندما يتـم اكتشاف مسببات الخلل في الأرقام الرسمية المعلنة يمكن تحويل المنشآت الصغيرة لأداة تقضي على البطالة لأن عدد المنشآت الصغيرة المسجلة في وزارة العمل تصل إلى 1.9 مليون منشأة بينما السجلات التجارية المعلنة رسميا حوالى مليون سجل تجاري، والرخص البلدية في حدود ربـع مليون رخصة، والتأمينات الاجتماعية لديها ما يقارب من 440 ألف مشترك إذن هناك حوالى 700 ألف منشأة مجهولة. واستطرد بقوله: بحسب الدارسة التي تـم وضعها تحتاج المنشآت الصغيرة في المملكة لحل البطالة إلى أمرين أحدهما إنشاء بنوك للمال المخاطر والجريء في كل منطقة، والآخر إنشاء وزارة للمنشآت الصغيرة أو هيئة مستقلة تكون المظلة الرسمية لها لأن تلك المنشآت تمثـل النسبة العظمى في قائمة المنشآت بمعدل 98 في المائة، الأمر الذي يتطلب ضرورة الاهتمام بها وتطويرها من خلال قيام البنوك بعمليات التأسيس وفتح المشاريـع مقابل الدخول كشريك الأمر الذي يدعم أصحاب تلك المشاريـع المبتدئين ويقدم لهم فرصة أكبر للنجاح. وعن حاجة البنوك إلى رأس مال كبير، قال: هناك ما يقارب من 30 مليار ريال تصرف على قرابة مليون عاطل وعاطلة عن العمل، فلو أخذ منها فقط 15 مليارا وتم تخصيصها لإنشاء بنوك للمال المخاطر والجريء لكانت النتيجة تحويل أعداد كبيرة من العاطلين إلى أصحاب عمل عوضا عن الصرف السنوي عليهم، كما أنها ستحل مشكلة تأخر صرف القروض من الجهات الإقراضية بما لا يقل عن (6) أشهـر، ومع ذلك يتم تقديـم القرض دون جهات استشارية توجه المبتدىء في العمل إلى الطريق الصحيح. الأنصاري الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس البلدي في المدينة المنورة تحدث عن دور القطاع الخاص، وقال: دور القطاع الخاص يكاد يكون غائبا فبمجرد النظر إلى قائمة الشركات التي يتم التداول عليها في سوق الأسهم السعودية يتضح وجود أمور كثيرة غائبة، إذ لا يوجد شركات للحج والعمرة رغم أن دخل هذا القطاع كبير جدا، كما أنه لا يوجد شركة للتمور رغم أن حجم الإنتاج هائل وعوائده تقدر بمئات الملايين من الريالات وبالتالي فنحن في حاجة ماسة إلى تأسيس شركات مساهمة كبيرة في مجالات التقنية، والابتكار، والمال الجريء وغيرها.. وختـم بقوله: هناك العديد من الحلول لإنهاء أزمة البطالة عوضا عن تسكينها من خلال إنشاء كليات للقادة في جميـع المجالات تمنح الملتحق بها فرصة الحصول على وظيفة قيادية مستقبلا، وإنشاء شراكة بين جميـع المجالس الثلاثـة مجلس المناطق والغرف التجاريـة الصناعية والبلديات لأن هذه المجالس تمثـل التكامل المطلوب لحل أي أزمة تنشأ في أي منطقة بالمملكة خاصة إذا كان هناك مجالس للشباب تكشف عن ما يريدونه في ظل وجود مجلس لتنمية الموارد البشرية.