كيف، ومن أين جاءت المخطوطة القرآنية التي أحدثت ضجة في العالم، والعالم الإسلامي بشكل خاص، منذ تحدثت عنها جامعة بيرمنجهام البريطانية، وقالت قبل يومين إنها لديها منذ عشرينيات القرن الماضي، لكنها اكتشفت حديثاً فقط أنها "من بين أقدم نسخ المصاحف القرآنية" وأن واحداً من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو شخصاً عاصره ورآه على الأقل، قد يكون كاتبها بخط يده على جلد حيواني بعد 13 سنة على الأكثر من وفاة النبي محمد. جاءت من القسيس"ألفونس منغنا" المولود قرب الموصل في العراق "والذي موّل رحلته لجلب الوثائق هو إدوارد كادبوري لرفع مكانته في بيرمنجهام كمركز ثقافي لدراسات الأديان"، طبقاً لما نقلت الوكالات عما قالته الجامعة عن "منغنا" الذي جمعت "العربية.نت" ما تيسر بشأنه من معلومات، أهمها سرد تطرق إلى حياته، منشور في موقع الجامعة بعنوان "تاريخ مجموعة منغنا" لمن يرغب في مطالعة المزيد عن الرجل الذي نقل إلى بريطانيا ما أحدث ضجة عالمية بعد وفاته بأكثر من 78 سنة. جامعة برمنجهام ستعرض أوراق المصحف للعموم في أكتوبر المقبل. «الاقتصادية» ألفونس منغنا، عراقي، اسمه الحقيقي الأول هرمز، ولد في 1878 في قرية "شرانش" المجاورة في محافظة "دهوك" لقضاء "زاخو" في الشمال الكردستاني، وهي قرية معظم سكانها الممتهنون للزراعة وتربية المواشي هجروها في السنوات الأخيرة، ولم يبق منهم سوى 711 حالياً وجميعهم مسيحيون تقريباً، على حد ما ذكر عنها وعنهم موقع "قناة عشتار" الفضائية قبل شهر. هرمز، الذي غيّر اسمه الأول إلى ألفونس حين أمضى بعض شبابه في دير للآباء الدومنيكان في الموصل، حيث درس اللاهوت "كان ملماً بالسريانية والعربية والفارسية والكردية والعبرية واللاتينية والفرنسية" ورسموه في 1902 كاهناً في الدير الذي اشتغل فيه بالتدريس طوال 10 سنوات، وأثناءها تملكته هواية البحث في المخطوطات القديمة، خاصة السريانية، ثم تطورت حاله من البحث فيها إلى رغبة جامحة في الحصول عليها وامتلاكها. وهاجر منغنا من مرفأ بيروت في 1913 إلى إنجلترا التي خلع فيها ثوب الكهنوت وراح يدرّس اللغات واللاهوت في مركز شهير في ضواحي بيرمنجهام. كما درّس علم المخطوطات في جامعات كامبريدج ومانشستر وبيرمنجهام، وألف كتباً عدة عن اللغات الشرقية أثناء إقامته في مانشستر بشكل خاص، ثم ولى وجهه في منتصف العشرينيات شطر بلاد الشرق التي جاء منها، فزارها 3 مرات في 1924 و1925 و1929 ليبحث في سورية والعراق ولبنان وفلسطين، كما في دير "سانت كاترين" في صحراء سيناء المصرية، عن مخطوطات يضمها إلى مجموعته التي كانت الأكبر من نوعها في العالم، وضمت أكثر من 3000 وثيقة شرق أوسطية، معروضة باسم The Mingana Collection في متحف بيرمنجهام، كأثمن ما تركه بعد وفاته فجأة في 1937 بعمر 59 سنة. تلك المخطوطات، معظمها عربية وسريانية، وبعضها فارسية، امتلكها بطرق غير معروفة تماماً، وربما اشتراها أو استعارها أو جاءته هدية ممن كانت لديهم، أو بادلها، أو بأسلوب "السهل الممتنع" المحفوف بالمخاطر، إلا أنه حصل عليها في زيارات، حثه عليها ورعاها وموّلها إدوارد كادبوري، حفيد جون كادبوري، مؤسس مصانع الشوكولا الشهيرة في برمنجهام والراحل في1989 بعمر امتد لأكثر من87 سنة. من تلك الزيارات حمل منغنا ما أصبح كنزاً من المخطوطات، أهمه الآن هو ما "أذهل" العالم الإسلامي بامتياز، وهي المخطوطة التي أعلنت جامعة بيرمنجهام أمس الأربعاء أنها ستعرضها للعموم في أكتوبر المقبل، وأن باحثين من جامعة ألمانية سيأتون للاطلاع عليها، لأنها نسفت أبحاثاً بالعشرات كتبها مستشرقون، ملخصها أن القرآن "لم يكن موجوداً زمن الرسول، بل تمت كتابته بعد وفاته لتبرير الفتوحات العربية"، وهي نظرية انهارت تماماً بعد التأكد من أن كاتب الآيات عليها عاش زمن النبي الأعظم.