تفاجأت من ردة فعل ابنتي ذات الأربع سنوات عندما رأت قارورة ( بيبسي ) على المائدة ، وهي تقول بابا ، لا تشرب بيبسي ، البيبسي حرام ، مصنوع من دم الخنزير ، لأحاورها وأكتشف أن معلمتها في الروضة قد أفتتها بهذه الفتوى ، وأفادتها بهذه المعلومات، دون تربص ولا تأنٍ من معلمة يجب أن تراعي سن هذه الطفلة البريئة ، فتعود بي الذاكرة إلى أختها التي رأتني مرة أشاهد المصارعة الحرة ، فقالت بصرامة أبي ، لن تقبل صلاتك أربعين يوما كما أفتتها معلمتها في المتوسطة ، وغيرها الكثير مما لا أعلم من الفتاوى . وأمام هاتين الواقعتين التي أنا وابنتيّ طرفٌ أصيلٌ فيهما تجدر الوقفة أمام مسألة التحريم والفتاوى التي تُضخ بالمجان إلى عقول أبنائنا وبناتنا في مراحل التعليم المبكرة، فتخلق نوعا ضارا من القلق في شخصية الطفل، وتفرد مساحة من الحيرة المبررة ، وهو يرى حال أسرته ، ويتذكر فتوى معلمه الذي يرى فيه القدوة ، كما افترضها المجتمع ، وكم يجد الآباء والأمهات من العنت لمحاولة تخفيف وطء الأمر على الطفل دون هزّ ثقته في معلمه أو معلمتها. لعل المعلم والمعلمة أولى الناس باستخدام المنطق السليم في التحدث إلى النشء، وحثهم إلى النافع وتحذيرهم من الضار، لكن عبر القنوات الصحيحة، فكان باستطاعة معلمة الروضة أن تشرح للأطفال المضار الصحية لمشروبات ( الكولا ) بعيدا عن مسألة التحريم ( المختلقة ) وكأننا نعيش في بيئة معزولة عن العلم والمختبرات والمختصين وهيئة الغذاء والدواء الموثوقة، فلم تكلف نفسها البحث عن منابع تحريم مشروب ( الكولا )، بل اكتفت بالفتيا المنتشرة على الإنترنت والوتس أب وشائعات فترات المقاطعة المبنية على مواقف سياسية . وكذلك معلمة المتوسطة التي ربطت المصارعة الحرة بالسحر والعرافة ، وكان الأولى بها أن تحذر الفتيات منها ومن بشاعة عنفها، والتعري المصاحب لها، دون ربطها بقبول الصلاة من عدمه. وعلى هذا يجب أن تتحرك وزارة التربية والتعليم، بكل طاقاتها وعن طريق آليات مدروسة لإيقاف هذه الظاهرة المفزعة ، وتحذير ومتابعة ناقلي الفتاوى، وأن تفتح نافذة خاصة لبلاغات الأسر عن مثل هذه الفتاوى الضارة، التي تزعزع الأمن الفكري والروحي لأبنائنا، وتحدث شرخا بين المتعلم وأسرته، أو مجتمعه ، أو تكون عكسية على ثقته بمعلمه وعلى عملية التعليم برمتها . فلا يرضى عاقلٌ أن نقحم النشء في القضايا الخلافية أو السياسية ، ولا يؤمن متنور بنور الإسلام أن نزرع في أبنائنا الحقد والكره للآخرين في مراحل مبكرة، ونحن نعلق ( سماحة الإسلام ويسره ) على صدور أحاديثنا وخطبنا. أحمد الهلالي رابط الخبر بصحيفة الوئام: مشايخ وشيخات التعليم