×
محافظة المدينة المنورة

وكيل محافظ ينبع يقوم بجولة استكشافية على منطقة الشرم

صورة الخبر

نزع الاجتماع الذى عقده، المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، مع عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وبعض رؤساء تحرير الصحف، فتيل الأزمة الطارئة بين الصحفيين والحكومة، حول ما ورد بشأن الصحافة فى مشروع قانون الإرهاب. وتكشف متابعة التصاعد فى وقائع الأزمة عما قد يقودنا عند عجزنا عن التحكم فى انفعالاتنا من مآزق وأزمات، إذ بدأت حين قررت الدولة فجأة وبعد تردد طويل الاستجابة لإلحاح الرأى العام ورجال القانون والقضاء بضرورة إصدار قانون خاص لمكافحة الإرهاب يتجاوز النصوص التى أدخلت لهذا الغرض على قانون العقوبات عام 1992، ليواجه التطور الذى أدخله الإرهابيون على أساليبهم ووسائلهم من جانب، ويتغلب - من جانب آخر - على بطء الإجراءات القانونية، بما يكفل تحقيق العدالة الناجزة، والردع الخاص والعام، بحق من يرتكب هذه الجريمة. وهكذا تذكرت الحكومة - فى أعقاب جريمة اغتيال النائب العام - قانون مكافحة الإرهاب الذى كانت قد أعدته لجنة الإصلاح التشريعى لهذا الغرض، ولم تصدره، انتظاراً - فيما يبدو - لاستصداره من مجلس النواب عند انعقاده.. وقررت اتخاذ خطوات استصداره بقرار بقانون من رئيس الجمهورية. ولم تثر مسودة مشروع القانون، حين نُشرت لأول مرة، أى اعتراض، لأحد من الصحفيين ولا من غيرهم، إلى أن وقعت العملية الإرهابية التى قام بها تنظيم ولاية سيناء - الفرع المصري لتنظيم داعش - ضد بعض نقاط الدفاع فى شبه الجزيرة.. فقاد الانفعال والرغبة فى تحقيق سبق صحفي بصرف النظر عن المسؤولية الوطنية والاجتماعية، بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية المصرية، إلى نشر أخبار غير صحيحة عن وقائعها، ولم تتبع فى نشرها أبسط التقاليد المهنية وهو أن تذكر المصادر التى نقلتها عنها، ومعظمها من المواقع وأجهزة الإعلام التى تنطق بلسان الإرهابيين أو تتعاطف معهم، وهو ما أثار حالة من القلق والتشاؤم بين صفوف الرأي العام، وأوحى بأن مدينة الشيخ زويد قد سقطت بين يدي الإرهابيين.. وكان ردّ فعل مجلس الوزراء على هذا الاندفاع الطائش أن أضاف إلى مشروع القانون نصاً لم يرد فى مسودته التى أحالتها إليه لجنة الإصلاح التشريعى، هو المادة 33 التى تقضى بالحبس لمدة لا تقل عن سنتين لكل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما لا يخالف البيانات الرسمية التى تصدر عن الجهات المعنية. وفى حمى انفعاله لم يتنبه مجلس الوزراء إلى أن التعديل الدستورى لعام 2014، ينص على عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بواسطة النشر أو العلانية، وأن نشر أخبار غير حقيقية، تخالف ما ورد فى البيانات الرسمية لا ينطوى فى حدّ ذاته على تحريض على العنف، وهو إحدى الحالات الثلاث التى أجازت فيها المادة 71 من الدستور الحبس فى جرائم النشر والعلانية. وفى الوقت الذى تذكر فيه مجلس الوزراء أن هناك قانوناً للسلطة القضائية يقضى بأن يعرض على مجلس القضاء الأعلى أى مشروع قانون يتعلق بها، فأحال إليه مشروع القانون، واستجاب لما أبداه من ملاحظات على المشروع، نسى أن هناك قانوناً لنقابة الصحفيين وآخر للمجلس الأعلى للصحافة يقضى كلاهما بأخذ رأيهما فى مشروعات القوانين التى تتعلق بحرية الصحافة والنشر، فأدرج النص فى المشروع دون أن يسأل أحدهما رأيه. ولأن لكل انفعال انفعالاً مساوياً له فى القيمة، ومضاداً فى الاتجاه، فقد أسرع مجلس نقابة الصحفيين يرد على انفعال الحكومة ببيان انفعالى يهدد فيه بحشد قواته المحمولة جواً، وبالاستعانة بقوات النقابات المهنية الحليفة والصديقة، لا لكى يواجه الإرهاب، بل لكى يواجه الحكومة التى تحارب الإرهاب، بأسلحة قانونية فاسدة تطلق نيراناً صديقة، تتوجه إلى صدور رفاق السلاح وليس إلى صدور الأعداء.. لا تقتصر على المادة 33 من مشروع القانون وحدها، بل تشمل كذلك المواد 26 و27 و29 و37، وفيما عدا المادة الأولى لم يقدم المجلس - حتى الآن - مبررات اعتراضه على المواد الأخرى، أو يحدد مناط مساسها بحرية الصحافة وليس بحرية الإرهاب. وكان طبيعياً أن يستغل الإرهابيون هذه الانفعالات المنفلتة لكى يوقعوا بين الجميع، ويزيدوا الخرق على الراتق ويعملوا على تفتيت وحدة القوى التى تقاوم الإرهاب، فبدأت المواقع الإلكترونية وأجهزة الإعلام التى تنطق بلسان الإرهابيين تتحدث عما سمته قانوناً جديداً لمكافحة الحريات الصحفية والإعلامية تقوم سلطات ما يصفونه بأنه الانقلاب بإعداده، وهو ما يعنى فى قاموس داعش وحلفائه، حرية تفجير أعمدة الكهرباء ومياه الشرب وتطفيش السيّاح والمستثمرين، وحرية اغتيال رجال القضاء وضباط الشرطة والجيش والصحفيين والإعلاميين، الذين يقاومون الإرهاب أو يدعون إلى مقاومته، وحرية نشر أسمائهم وصورهم وعناوين بيوتهم، وصور أبنائهم وبناتهم، حتى يتيحوا لمن يرغب من الإرهابيين أن يغتاله، وهو يتوهم أن هذا هو الطريق الذى يقوده إلى الجنة! فى هذا السياق يأتى اللقاء الذى عقده رئيس الوزراء مع نقيب الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف، خطوة صحيحة تخرجنا من مستنقع الانفعالات المنفلتة والمختلطة، لكى نتحاور حول القانون بذهن صاف يستهدف التوصل إلى توافق مجتمعى حول نصوصه، ينطلق من رؤية واضحة بأن الحرب ضد الإرهاب هى حرب وطنية بامتياز، لأنه يشكل خطراً على استقلال - واستقرار - الوطن، كما أنه العدو الرئيسى للحريات الديمقراطية باعتباره أعلى مراحل الاستبداد، وأن الانتصار فى هذه الحرب، كما هو الحال فى كل الحروب الوطنية فى كل الدنيا وكل التاريخ، قد يفرض علينا أن نتنازل - باختيارنا ولفترة مؤقتة - عن جانب من حريتنا! وصلى الله وسلم على النبى الذى قال: اللهم لا تسمع لدعائى وأنا غضبان.