×
محافظة المنطقة الشرقية

مريم محمد تبحر في التطوع

صورة الخبر

قبل مدة قرأت تقريراً من تقارير التنمية المستدامة لشركة من شركات البريد المستعجل. وقد كان من الضخامة والتفصيل ما أثار دهشتي، حيث بلغ قرابة المائتي صفحة التي تستعرض متوالية من الإنجازات والخطط الإستراتيجية المعنية بالحفاظ على البيئة ورعاية الموظفين والتنمية الاقتصادية. حيث كُتب بطريقة احترافية على شاكلة التقارير الدولية التي صارت تُنشر مؤخراً في إطار الشفافية. وكأن كل ما ورد فيه حقائق ينبغي الاستبشار بها. وبعد أيام مررت بفرع من فروع هذه الشركة لاستلام طرد بريدي فلم أجد شيئاً مما ورد في التقرير. إذ لم ألاحظ تلك النظافة ولا الترتيب ولا كفاءة وبشاشة الموظف، حتى اللوحة كانت صغيرة جداً ومتقشفة لدرجة أنها لا تُرى. ويبدو أن ما جاء في التقرير يتناسب بعضه مع اشتراطات الدول الغربية أكثر مما ينطبق على واقع مكاتب الشركة محلياً. حيث يتضح الإهمال في كل شيء، فلا السيارات الناقلة من تلك التي توصف بصديقة البيئة، كما جاء في التقرير، ولا الموظف محل عناية الشركة، التي تزعم اهتمامها بالحال والمآل المادي واللا مادي لموظفيها. كما يتضح من هندامه ونفسيته وأدائه. حتى الطرد الذي استلمته اضطررت للذهاب بنفسي إلى الفرع بعد أن تلكأ موظفو الشركة في إيصاله. وكأن كل تلك الدعاية المتمثلة في اللباس الموحد (اليونيفورم) وأسطول السيارات التي تقف على أهبة الاستعداد لأداء الخدمة على أكمل وجه، مجرد استعراضات شكلية. وهو أمر بات على درجة من الوضوح والاستفزاز لوكالات السيارات والبنوك والشركات التي تصدر كل عام تقارير استدامة وخدمة مجتمعية زائفة. بمقدور أي مدقّق اجتماعي من خبراء المسؤولية المجتمعية Social Responsibility اكتشاف مواطن العثرات وحجم الادعاءات في أي تقرير من تقارير التنمية المستدامة التي باتت بعض الشركات والمؤسسات في السعودية تحرص على إصداره في إطار تأكيدها على أداء فروض التنمية الاجتماعية، كشرط من شروط المواطنة العالمية. حيث يُفترض أن تشتمل تلك التقارير على رؤية ومنجزات وأدائيات المؤسسة في حقول التنمية الاقتصادية والمجتمعية والبيئية. أي تطوير الأرض والمدن والحفاظ على النطاق البيئي وتحسين الظروف المعيشية للإنسان. فالمؤسسة التي ليس بمقدورها إنصاف موظفيها، ليس بإمكانها، وليس في وارد خططها تقديم خدمة اجتماعية أو الحد من الاعتداء الجائر على البيئة أو الإسهام في الاقتصاد الوطني. إن ما تصدره الشركات والمؤسسات من تقارير كنهج إداري حديث، ما هو إلا محاولة لسد فراغ كبير في الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة المعنية بتنمية الإنسان والمكان. أي تصحيح ما ارتكب بحق الموارد والإنسان من إهدار وعبث وتجاوزات. وذلك وفق مواثيق دولية صارت ملزمة للدول والمؤسسات الصناعية والتجارية المرتبطة بمعاهدات ومعاملات دولية. ضمن ما بات يُعرف بالمستقبل المشترك للعالم. بمعنى أن المؤسسة ملزمة بكل ما يحقق الحماية للإنسان والبيئة إقليمياً لينعكس ذلك كارتدادات إيجابية على العالم. وهو أمر يتطلب بالإضافة إلى ثقافة المسؤولية المجتمعية الآخذة في الانتشار، وجود تشريعات وقائية محلية تتقاطع مع القوانين الدولية وترسم معالم تواصل الإنسان مع المكان. بهذا المعنى تكون التنمية المستدامة مطلباً وطنياً. فهي لا تعكس إرادة الأمن المائي والغذائي والروحي فقط، بل تجعل المجتمع بمؤسساته في قلب المواطنة العالمية. وهو الأمر الذي يتطلب تنسيق الجهود بين مختلف الجهات المعنية بتنمية الإنسان والمكان. وذلك ضمن خطة استراتيجية بعيدة المدى. لأن تلك الجهود المبعثرة لكل وزارة أو مؤسسة لا بد لها أن تتكامل وتتشكل في مصب واحد. وفقاً لتعريف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، الذي قال إن المسؤولية المجتمعية هي الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم. والمجتمع المحلي والعالمي أيضاً. وذلك من أجل تفعيل روح المسؤولية المجتمعية، التي تعرف أحياناً بالضمير الاجتماعي، بشكل جدي وواقعي بعيداً عن الزيف والاستعراضية المجانية. ولنتصور أن هذا التعريف الجامع لا تستوفي شروطه شركة أرامكو السعودية بكل إنفاقها. وهي الشركة التي يُنظر إليها اجتماعياً كرائدة في هذا الحقل. لأنها لم تحقق شروط الأيزو 26000 وهو دليل سلوكي ومعيار اختباري تطوعي أطلقته المنظمة الدولية للمعايير (ISO) لقياس أداء الشركات في حقل التنمية المجتمعية. ويتضمن سبعة مبادئ تحدد أحقية المؤسسة بهذا المعيار. وتتمثل في مجموعة من المبادئ كالشفافية، والمسؤولية، السلوك الأخلاقي، احترام القوانين والتشريعات. ويمكن قياسها من خلال أدائياتها في مسألة الحقوق، وعدالة التعامل مع القضايا العمالية، والحفاظ على البيئة، والإسهام الفعلي في الخدمة المجتمعية وهكذا. وهي حقول تحضر فيها أرامكو السعودية بقوة وفاعلية إلا أنها ترفض وجود المدقق الاجتماعي الذي يقيس أداءها الفعلي بما يتناسب مع دخلها وما يفترض أن تؤديه في هذا الصدد. ناقد