حقق المسلسل المغربي «وعدي» منتصف شهر رمضان، نسبة مشاهدة عالية ناهزت خمسة ملايين مشاهد وفق أرقام مؤسسة القياس السمعي البصري. وهي الأكبر في الدراما المغربية، ما جعل للقناة الأولى مرتبة ريادة افتقدتها منذ زمن طويل. كما جمع نسبة مهمة من التعليقات الإيجابية والمادحة في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ﻻ يحدث كثيراً مع ما تبرمجه القنوات المغربية عادة، باستثناء الدراما المدبلجة ذات السطوة الكبيرة. ولعل سر كل هذا النجاح يكمن في كون هذا العمل الدرامي التلفزيوني يتضمن أسس عمل جاذب يثير اهتمام الجماهير المتعطشة لقصص حياتية من صميم الواقع المغربي مقدمة في شكل قريب من مألوف هذه الجماهير واهتماماتها واتجاهات عواطفها، بعيداً من العالم القروي والغرائبية الديكورية التي ميزت أكثرية الأعمال في السنتين الأخيرتين. وذلك بدءاً من جنيريك البداية الذي يُقَدم الصورة في شكل فني افتتاحي مغر بالمشاهدة على إيقاع أغنية شهيرة من ريبرتوار سميرة بنسعيد المغربي قبل أن تصير سميرة سعيد وتدشن مرحلتها الفنية المصرية المشرقية. وعنوان اﻷغنية هو عنوان المسلسل ذاته أي «وعدي»، وهي كلمة فيها شجن قوي وحزن وجودي عن لوعة ضياع الحب وضياع الحياة. طبعاً المقطوعة أعيد ترتيب إيقاعها وتوزيع موسيقاها ومنحها طابعاً نغمياً معاصراً يتفق وأهواء الجمهور الحالي، تتردد فيها كلمات المسرحي الكبير الطيب لعلج مجدَدَة. وترافق الأغنية صور دفتر منسوخ تُقلب صفحاته، وتترادف عليها صور الممثلين في شكل إيحائي مقصود، وأبرزهم الممثلة الرئيسية صفاء حبيركو المتألقة، والتي تدور أحداث السلسلة حول حياتها الغربية المليئة بالتقلبات عبر حلقات تقطر اﻷسرار بحنكة وعبر أفق انتظار مشوق، ولقطات تلعب فيها تقنيتا «الزوم» و»الترافلينغ» مهمة ربط المصائر والوجوه المعبرة بالعيون الناظرة. وهكذا تُكتشف حياة الفتاة المقسمة في حيوات متعددة عِيشت في زمن قصير من طفولة ومراهقة ثم شباب أوﻻً. بكل بساطة ﻷن لها أمهات مختلفات، الطبيعية البيولوجية التي وضعتها على سكة الحياة، ثم اﻷم التي سرقتها صغيرة وأدخلتها عالماً غير مألوف في أسفل المجتمع بما يتضمن من السلبيات. وأخيراً الأم التي أخذتها لتربيها بمقابل مادي، وأدخلتها حياة طبيعية، حياة النعمة والسعادة والحنان. الفتاة إذاً تتوزعها تلك الأقدار العائلية في مسار حياتها التي تود أن تحياها مثل بقية الناس بلا مشاكل مستعصية وغريبة وبلا تنافر مصالح وأهواء وأطماع شخصية من كل حدب وصوب. وهنا كما هو منتظر، يعترض طريقها رجال ونساء، فيهم آباء وعشاق وفيهم حساد وأصدقاء من الجنسين. هي أدوار طبيعية تتضمن شحنات درامية تعطي الصراع نكهات مختلفة. ومنها مثلاً دور أسامة بسطاوي (الدور الذكوري الأول) وهو المعادل الطيب للفتاة، وطارق البخاري الذي جسد دوراً مركباً وقوياً برأسه اﻷصلع ومهمته كشرير غير معهود، وقد ظفرت لقطة ضربه للممثلة الموهوبة «تيليلة» بمتابعة واسعة على الإنترنت. المسلسل بُني على فكرة هيندة سيقال وكتب السيناريو إبراهيم هاني والمخرج الشاب مراد الخوضي ولميس خيرة. ولا شك في ان هذا التعاون كان له دور حتماً في تنويع الوقائع التي وجدت بالتأكيد في مخيلة المخرج ياسين فنان البصرية الدرامية ما جعلها حياة ناطقة. وللتذكير فالمخرج هو الذي سبق له أن أخرج السلسلة الناجحة بنات «لالة منانة». وبالتالي اجتمعت التجربة والمواهب في خلق دراما ناجحة بمقاييس الجماهير المغربية المتعودة على ما يشبهها في المقترحات الدرامية العربية والمكسيكية والتركية من موضوعات الحب والطموح والطمع والحسد والندم في أجواء عائلية ومجتمعية تتجاذبها عوالم الشقاء والسعادة، الموت والحياة... لكنها هذه المرة، ومن خلال هذا العمل عثرت على ضالتها القريبة من حساسيتها الخاصة بها وثقافتها الحياتية.