مشاعر العداء التي أبداها اليونانيون للمؤسسات الدولية التي تمثل الدائن الأكبر لبلادهم، تذكر الكثير من الآسيويين، بتلك المشاعر التي انتابتهم في الفترة ما بين (1997-1998) عندما طالب صندوق النقد الدولي بلدانهم العمل بسياسة التقشف والإصلاحات التي كانت مطلوبة للتغلب على الأضرار التي نتجت عن الأزمة الاقتصادية التي ضربتها، في تلك الفترة. ومرد تلك المشاعر إلى أن صندوق النقد الدولي مارس عليهم الكثير من الضغوط، لكن الذين يكرهون سياسة التقشف يجب عليهم عدم الاقتراض من الصندوق. وفي العام 1998، عندما رفضت ماليزيا الاقتراض من الصندوق فإن حكومتها كانت حرة في إنفاق الأموال التي جمعتها من مصادر أخرى. أما بالنسبة لوضع اليونان، التي تعتبر وبالفعل مرهونة لصندوق النقد الدولي، بما يصل إلى 32 مليار يورو، فلم يعد لديها الخيار، وأن موقفها أقرب لما كانت عليه إندونيسيا في 1998، حينما بدأ الصندوق في التشكيك في سوهارتو الذي لم تكن لديه نوايا قبول الخطة التي رفضها قبل عام . وبعد أن توجه عضو صندوق النقد الدولي المنتدب، إلى جاكرتا، للحصول على التزام علني فيما يتصل بالاتفاق المعدل، وعلى الرغم من ذلك، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية الإندونيسية لم يتحسن، مما اضطر الصندوق إلى التوقف عن صرف أقساط القرض لإندونيسيا، وبالتالي انخفض سعر الروبية بنسبة السدس قياسا على المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة التي تعرضت لها، الأمر الذي نتج عنه اندلاع أعمال الشغب وإحراق المحال التجارية. وتاليا لذلك، قدم سوهارتو، الذي أدخل البلاد في أزمة عارمة استقالته، إلى جانب تراجع اقتصاد بلاده بنسبة 13 في المائة في العام ذاته، واستمرت البلاد في أزمة اقتصادية لست سنوات، وهذه ربما تكون مفيدة فيما يخص مستقبل اليونان. فالمنطق يقول إن إعسار المقترض يعرضه للوم ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ما الأسس التي يمنح صندوق النقد الدولي قروضا لليونان بموجبها ؟ وهذا ما يضع الكثير من الآسيويين أمام حيرة من أمرهم. وبغض النظر عن تقديم المشورة، فإن مهمة صندوق النقد الدولي التي أسس من أجلها، هي مساعدة البلدان التي لا توجد لديها احتياطات من النقد الأجنبي، لتمويل العجز الذي يطرأ على حساباتها الجارية، أو التغيرات المفاجئة، نحو اتجاهات تدفقات رأس المال. وفي ظل الأزمة الحالية التي تواجهها الحكومة اليونانية المثقلة بالديون، والعجز الكبير في ميزانياتها ليس في عدم وجود العملات الأجنبية فحسب بل، في السياسات المتبعة أيضا، فإن عملية خفض قيمة العملة، يعتبر من الأمور المستحيلة، خصوصا مع وجودها في منطقة اليورو، علاوة على ذلك، فإن الصندوق ليس بمقدوره التشكيك في الروايات الرسمية (مثل التلاعب الذي يمثل السبب الأساسي في الأزمة الحالية) ويرجع ذلك لسبب، أن هيئة المتابعة في الاتحاد الأوروبي، لم تقم بمراقبة الموقف اليوناني، الذي كان يحتم عليها متابعتها عن كثب. وقد حاولت اليابان وبعض الدول الآسيوية، في السابق إطلاق آلية لدعم السيولة الإقليمية، إلا أن المقترح قوبل بمعارضة شديدة، من صندوق النقد الدولي، والولايات المتحدة، إضافة إلى أن الآسيويين لم يستطيعوا العمل بصراحة مع بعضهم بعضا، في المناقشات التي كانت تعقد بينهم، ولكن على أي حال، فإن الجهود أُخذت على أنها نسخة مطابقة ولكنها غير ملزمة تجاه الصندوق للعمل بها، ومن ثم قامت أوروبا بإنشاء آلية مثل تلك التي أطلقتها اليابان، لحل الأزمة اليونانية، ولكنها فشلت في واقع الأمر، وربما يعود ذلك، إلى عدم تحذير الأمريكيين وصندوق النقد الدولي اليونانيين من ذلك، أو لسبب عدم ممارسة الصندوق لسياسة الوضوح مع الدول الأوروبية، ورغما عن ذلك، فإن سياسة الصندوق مسيطر عليها من قبل أوروبا. وقد نفذت الدول الآسيوية التي تلقت مساعدات صندوق النقد الدولي، ما طلب منها، ولم تتعثر اي من تلك الدول في سنداتها الحكومية التي تلقتها، وتركت قروض الصندوق الدولي بعيداً عنها، ولكن بالرغم من تعثر هذه التجربة فنجد أن حكومات تلك البلدان عملت على حشد الاحتياطات الأجنبية، وتحديدها للتأكد من عدم مطالبتها مرة أخرى، بما يجب عليها القيام به. يضع صندوق النقد الدولي نفسه، كونه مصدر الحقيقة التي لا تقبل الشك، ومكمن الحصافة الاقتصادية، موضع الثقة في ظل وجود أزمات، فضلاً عن الحس السليم تجاه القروض، أما في منطقة اليورو، فإن وقوعه في التراجع، سمح لأصحاب رؤوس الأموال الوطنية، الذين أثبتوا لفترة من الزمان، عدم القدرة على التحدث بالصراحة، استخدامه كغطاء سياسي. وفي النهاية، نجد أن مكاسب أوروبا من اعتماد هذا النهج كانت محدودة، وبالمقابل ضحى صندوق النقد الدولي، بقدر كبير من مصداقيته، على الأقل بالنسبة للدول الآسيوية التي كانت تمثل أفضل عملائه كما هو الحال مع غيرها من الدول. *أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كولومبيانائب وزير المالية الياباني سابقاً