×
محافظة المنطقة الشرقية

عزوف الشباب يهدد قدرة الشركات على الالتزام بنسب التوطين

صورة الخبر

زياد بهاء الدين يروي لـ («الشرق الأوسط») تجربة 10 سنوات داخل أروقة الحكم في مصر بين الاقتصاد والسياسة (3 ـ 3) * قدر للدكتور زياد بهاء الدين أن يكون دوره السياسي، أيا كان موقعه، مسبوقا بلقب «نائب».. حصل عليه للمرة الأولى عندما أصبح «نائبا برلمانيا» عقب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 بعد فوزه في انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان/ 2012) الذي سمي «برلمان الثورة»، ممثلا عن مدينة أسيوط (جنوب مصر)، ثم كان «نائبا لرئيس الوزراء» في حكومة الببلاوي عقب ثورة يونيو (حزيران) 2013، وأخيرا، فإن منصبه الحالي هو نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي. ورغم أنه كان جزءا من «تحالف 30 يونيو» الذي دشن خارطة طريق المستقبل في مصر بعد سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي في 3 يوليو (تموز) 2013، فإن نائب رئيس الوزراء السابق يرى أن ملامح الخارطة تقترب من الاكتمال بإنجاز الاستحقاق الثالث فيها وهو الانتخابات البرلمانية، إلا أن المناخ المحيط بها وبالعمل السياسي في مصر غير مرضٍ، من وجهة نظره. كما يؤكد أن الحياة السياسية المصرية في مأزق بسبب ضعف الأحزاب، خاصة بعد غياب حافز المشاركة الحزبية بسقوط «الإخوان». ويوضح الدكتور زياد بهاء الدين في الجزء الأخير من حواره المطول مع «الشرق الأوسط»، أن الاعتماد على المؤسسات الوطنية العسكرية والأمنية وحده غير كاف للقضاء على الإرهاب، مشيرا إلى أن إحدى أهم وسائل مواجهة الإرهاب تكمن في تماسك المجتمع، وحسب رؤيته، فإن ذلك يتحقق من خلال اقتصاد قوي، وحياة حزبية حقيقية تطرح للناس أفكارا ورؤى، «كما أن التمسك بالدستور والقانون في هذه اللحظة دليل على قوة أمام الإرهاب، وبالعكس، فإن تعطيل الدستور وإهمال تطبيق القانون هو تسليم بأن الإرهاب انتصر». وإلى نص الحوار: * هل شعرت بالندم على قبولك الانضمام لحكومة الببلاوي؟ - لم أشعر بالندم مطلقا على هذا القرار، ربما نسيت الناس الظروف وقت «30 يونيو» وبعدها.. كان الموقف بحاجة إلى أشخاص مستعدين للتصدي لمسؤولية منع الدولة واقتصادها من الانهيار، وأظن أن حكومة الببلاوي قامت بذلك وبواجبها تجاه الملف الاقتصادي وأنقذت البلد من انهيار اقتصدي وشيك. وبنفس القدر غير نادم على الإطلاق على الاستقالة، أو الوقت الذي اخترته للاستقالة عندما أصبح هناك خلاف سياسي واضح بيني وبين معظم أعضاء الحكومة على مستقبل المسار الديمقراطي. * هل ترى أن خروجك من الحكومة، كان نقطة النهاية لتحالف «30 يونيو»؟ - ليس خروجي وحدي فقط «حتى لا أعطي لنفسي وزنا أكثر مما ينبغي»، لكنه كان مفاجئا أن هذا التحالف - الذي كان من البداية، للأمانة، لا يمكن التصور أن يستمر طويلا - انهار أسرع مما ينبغي، وغلب على المشهد طابع «تصفية الحسابات» بأكثر مما تحتمل اللحظة. كما كان الأمر كله بمثابة مؤشر على ما أمثله أنا وحزبي.. لم يعد مقبولا في منظومة الحكم. * لماذا تعرضت لهجوم إعلامي حاد في آخر أيام عملك بالوزارة وكذلك بعد خروجك منها؟ - أرى أن جزءا منه كان نتيجة خلاف حقيقي في وجهات النظر، وبالتالي كان بحسن نية يتفق وأي خلاف سياسي، لأنها كانت لحظة فيها اضطراب شديد واستقطاب شديد وخوف شديد من المستقبل. لكن أظن أن جانبا منه أيضا كان فيه تعمد الإساءة، وهي ليست إساءة لشخصي، وإنما لتيار أنتمي إليه أُطلق عليه وقتها «التيار الديمقراطي» داخل الحكومة.. كانت فيه رغبة في إجهاض أي حلول سياسية مختلفة للمخاطر والتحديات التي يواجهها البلد، والاعتماد على الحل الأمني وحده دون إعطاء الفرصة لأي تناول سياسي، وبالتالي تم تشويه موقفهم واتهامهم بكل شيء لكي يسهل إسكات كل صوت يعبر عن رأي مختلف داخل الحكومة وخارجها. * الكتابة هي السلاح الأخير الذي لجأت إليه للنقد والمعارضة السياسية بعد أن شاركت في ثورتين.. هل سيكون هذا هو اختيارك الأخير؟ - نعم هو اختياري الحالي، بالإضافة إلى العمل الحزبي، ولكنه ليس الأخير. اختياري في كل الأحوال ليس الخروج من الساحة، ولم أترك مصر ولا العمل العام، والكتابة ليست السلاح الأخير، بل هي إحدى الأدوات. في الوقت الحالي، اخترت أن أكون مشتركا في العمل العام من خلال العمل الحزبي ومن خلال الكتابة، ومن خلال المشاركة في الحوار الدائر في المجتمع بشكل عام خارج الإطار الحزبي والكتابة.. من خلال لقاءات فكرية وحلقات نقاشية. كذلك الكتابة هي أداة تصلح لشخص كان في العمل التنفيذي والبرلماني ويحتاج إلى تقييم الوضع، ويقول إنه غير منسحب من الساحة ولا ينوي ترك البلد. أعتقد أن الاهتمام والانخراط في العمل العام مسألة طويلة المدى، لكن الشخص عليه أن يقدر في نفس الوقت، ما التوقيت المناسب لكي يكون في مقدمة الصفوف، وما الوقت المناسب أكثر لكي يتراجع خطوتين ويظل مساهما من موقع خلفي. * هل ترى أن هناك حياة سياسية حقيقية في مصر حاليا؟ - الحياة السياسية المصرية في مأزق، وليس سببه طرف واحد، بل أطراف مختلفة. النشاط الحزبي لا يتعرض لضغوط ولا مضايقات مثلما يحدث للمجتمع المدني الآن، لكن هو في مأزق، لأنه يخرج من مرحلة إلى مرحلة مختلفة تماما. مرحلة ما بعد ثورة «25 يناير» مباشرة وإلى «30 يونيو»، كانت الناس متطلعة فيها للأحزاب باعتبارها وسيلة للتعبير وشحذ همة المجتمع ولعب دور فعال، إما في دعم مشروع الإسلام السياسي أو مقاومته. أما بعد «30 يونيو»، فالأمر اختلف تماما، فكثير من الأحزاب الإسلامية اختفت من الساحة؛ مثل الحرية والعدالة (الإخوان)، وعلى الجانب الآخر، فإن الكثير من جمهور الأحزاب المدنية، السياسة بالنسبة له مرحلة انتهت بانتهاء حكم الإخوان، وهو ما يعني أن حافز الاشتراك في العمل الحزبي انتهى. الجانب الآخر، هو وجود خطاب يطرح منذ فترة، وهو فكرة أن تقدم المجتمع اقتصاديا واجتماعيا لا يحتاج أحزابا، وأنه سيكون أفضل حالا من دون أحزاب، وأن وجود رئيس منتخب وشعب يقدره يكفي، وليس هناك حاجة للعمل السياسي أو الحزبي، ووصفت الأحزاب بأنها «كرتونية»، والسياسة بأنها أصبحت عملا «ترفيا». يضاف إلى ذلك، أن الأحزاب بعدت عن الشأن الجماهيري أكثر من اللازم.. فلا شك أنه من عواقب تركيبة جبهة الإنقاذ، وجمع كل الأحزاب المدنية على قضية واحدة فقط؛ وهي إسقاط حكم الإخوان، أن الأحزاب بعدت عن المعايشة الحقيقية لهموم المواطنين من تعليم وصحة وزراعة.. إلخ. هذا أدى إلى انحسار العمل الحزبي، وهو لا يعني بالضرورة اختفاء الأحزاب، بل تراجع الأحزاب التي لديها فكر وبرنامج، أمام الأحزاب المعتمدة فقط إما على التمويل أو التربيطات القبلية، ولا تقدم بديلا فكريا أو سياسيا بالضرورة. * ما تقديرك لحجم اللوم الذي يقع على الدولة في ارتباك الحياة السياسية؟ - عليها لوم فيما يتعلق تحديدا باستمرار نفس الحالة المضطربة في التشريع الدستوري. وهذا الجزء الذي تلام عليه الدولة.. قانون الانتخابات الحالي مثلا ليس فقط به أخطاء جسيمة، بل لا داعي لبعض نصوصه.. لماذا أقر نظام انتخابات بالقائمة المطلقة؟ فالغرض من انتخابات القوائم هو إعطاء فرصة للتمثيل النسبي للأحزاب المختلفة، فكيف تفوز قائمة بها 45 شخصا لمجرد حصولها على نسبة 51 في المائة من أصوات الناخبين. هذا القانون يدفع دفعا إلى أن يكون اختيار مرشحي القوائم اختيارا أشبه بالتعيين منه بالانتخاب. * هل أنت راضٍ عما تحقق في خارطة الطريق التي أعلنت عقب عزل مرسي في 3 يوليو 2013؟ - خارطة الطريق التي ظهرت للرأي العام عقب «30 يونيو» كان بها ثلاثة أركان رئيسية: انتخابات رئاسية، ودستور، وانتخابات برلمانية.. فمن ناحية ما تم وما لم يتم، فقد تحقق ثلثاها، بانتخابات رئاسية جيدة، ودستور بشكل عام مقبول بـ«علاته» أو بعض المآخذ عليه، في حين يبدو الثلث الأخير على وشك أن يتحقق في ضوء التصريحات الأخيرة للمسؤولين. لكن هناك أمران كنت أتمنى تحقيقهما؛ أولا الالتزام بشكل أكثر دقة بأحكام الدستور. فيما يبدو كما لو كان الدستور صدر كمستند عليه توافق كبير لكننا اخترنا أن نعطل بعض جوانبه وبعض الحقوق والضمانات التي يحميها، وهذا أمر غير مقبول. ثانيا، هو أننا نتراجع عن فكرة كنا نروج لها في الماضي، فالإخوان كانوا يستندون لما سموه «شرعية الصناديق»، وكان ردنا أن الصناديق ليست كل شيء، بل هي نتيجة لمسار طويل وضمانات وحقوق.. إلخ. خطوات خارطة الطريق تتحقق، لكن المناخ الذي حولها غير مرضٍ.. ومثال على ذلك، قانون الجمعيات الأهلية، وقانون توافر المعلومات أو حرية المعلومات، واحترام حق التظاهر السلمي.. وكلها قوانين تتعارض مع توفير المناخ العام المواتي للديمقراطية. * زاد الجدل في الآونة الأخيرة حول الدستور.. هناك من يطالب بتعديل، ومن يقول إنه بالفعل تم تعطيل بعض مواده، ما تعليقك؟ - الاختيار الأمثل والوحيد في تلك المرحلة هو احترام الدستور كما هو بـ«علاته».. هناك مواد قد لا تكون مناسبة، أو حسمت على عجل مثلا، ومسائل لم تجرب من الممكن أن يعاد فيها النظر، لكن استمرار الدستور لفترة من الوقت أمر مهم جدا.. الأهم من ذلك أنه يجب أثناء العمل بالدستور وعدم تعديله، هو احترامه. * كيف يستعد الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي للانتخابات البرلمانية؟ - الحزب وإن كان أبدى اعتراضه أكثر من مرة على أشياء أساسية لها علاقة بالانتخابات، منها بالطبع قانون الانتخابات، وغموض موعد الانتخابات، وعدم حسم تقسيم الدوائر الانتخابية، لكن الحزب دائما ما يرفض الخيار السهل وهو مقاطعة الانتخابات، ونعتز بأننا لم نقاطع أي فعاليات انتخابية بما فيها الاستفتاء على دستور الإخوان، وكان موقفنا أن نصوت بـ«لا»، فدخول الانتخابات ليس مهما للحصول على مقعد أو منصب، بل هو فرصة لطرح أفكار مختلفة على الساحة. والحزب يدرك أنه يدخل انتخابات في ظروف غير مواتية بسبب ما ذكرته، وبسبب عزوف الناس عما تقدمه الأحزاب الديمقراطية. لكن في هذا الإطار، مهتمون بدخول الانتخابات، خاصة الانتخابات الفردية، ونعتبر أنها الانتخابات الحقيقة التي ستجرى على الأرض، وليست انتخابات القائمة. * وهل تمت دعوتكم لما يسمى بـ«قائمة الجنزوري الموحدة»؟ وما موقفكم الحزبي منها؟ - نحن في تفاوض مع قوى مختلفة.. كل الأحزاب التقى بعضها ببعض. والتقى رئيس حزبنا بالجنزوري، لكننا نفضل ألا يكون هناك وجود لقائمة هي أقرب للتعيين منها للانتخاب، فهي ستفوز بحكم اتفاقات الأحزاب وليس بحكم اختيارات الناس لها. وما زلنا في تحالف الوفد المصري، هو تحالف لانتخابات المقاعد الفردية، أما فيما يتعلق بالقوائم، فلم تحسم بعد. ونحن أيضا قريبون من التحالف الديمقراطي، ونعمل على إقناعهم بالدخول معنا في التحالف، ويهمنا أيضا وجود «المصريين الأحرار»، وسنتمسك في النهاية بعدم الدخول في تحالفات لا تعبر عن رأينا. * انقسم المجتمع إلى فريقين؛ أحدهما يحذر من عودة الفلول، والآخر مرعوب من تسلل الإخوان والإسلاميين بشكل عام إلى البرلمان.. أين يقف حزبك من الفريقين؟ - حزبي يتميز بأنه من الأحزاب القليلة التي تأخذ مبدأ عدم الإقصاء مأخذ الجد. نتمسك بوجود معايير واحدة لدخول الانتخابات؛ أهمها ألا يكون حزبا من الأحزاب التي ترفض المسار القانوني أو الديمقراطي، وتنبذ العنف، أو لا تقبل التمييز بين المواطنين. ويكون للمرشحين أيضا معايير، وهي ألا يكون المرشح قد ارتكب جريمة أو ثبت بحقه ارتكاب فساد أو قتل أو تعذيب. والباقي يترك للمواطنين. وأنا مستعد لقبول أي نتيجة تأتي بهذه الشروط، ولا يهم بعد ذلك من أي حزب سواء من أحزاب ما قبل الثورة أو بعدها. وأستبعد أن يكون لتيار الإسلام السياسي فرصة هذه المرة، لأن التيار العام رافض تماما للبديل الإخواني. * إلى أي مدى ترى إمكانية احتواء تيارات الإسلام السياسي في الحياة السياسة في مصر في اللحظة الراهنة؟ - إذا كان الاحتواء معتمدا على الحل الأمني فقط وعلى إجراءات التخويف وحالة الاستعداء الإعلامي المبالغ فيها، فهي سياسات خاطئة ستؤدي إلى نتائج عكسية بمرور الوقت. أما إذا أردت أن تواجه تيارا من هذا النوع، فليس أمامك سوى أن تفتح المجال للأحزاب الأخرى، وللمجتمع المدني وللقوى السياسية لأن تحارب في هذه المعركة على أرضية سياسية، وليس بأن تقضي على الحياة السياسية معتمدا فقط على سطوة الدولة في مواجهة هذا التيار. * من الممكن الرد بأن المجلس العسكري قام بذلك فعلا بعد ثورة يناير، فاختطف التيار الديني السلطة وكاد يبدل هوية الدولة فثار التيار الديمقراطي وانقض على تلك التجربة التي تطالب بإعادة إنتاجها مرة أخرى؟ - لم ننقض.. نحن قبلنا بالنتيجة الديمقراطية سواء في انتخابات مجلس الشعب أو في الرئاسة. في الحالة الأولى صدر حكم محكمة ترتب عليه حل البرلمان، وخسرنا مقاعدنا كما خسرها الإسلاميون. وفي الحالة الثانية قبلنا بنتيجة الانتخابات واختيار محمد مرسي دون أي تحفظ على مشروعيته، ولم نغير موقفنا إلا عندما انحرف مرسي وحكومته عن المسار الديمقراطي الذي جاء به. نحن كنا بداية الحراك الشعبي الذي في نهايته تحول إلى ثورة وإلى دخول الجيش في اللحظة الأخيرة قبل أن يحدث اقتتال داخلي يصل بنا إلى حرب أهلية. * أليس من الوارد أن يحدث الاختطاف نفسه مرة أخرى؟ - أنا مستعد لقبول أي نتيجة تأتي من خلال مسار ديمقراطي سليم أيا كانت، على أن نظل نحترم هذا النظام الديمقراطي حتى نهايته. وألا يستخدم فقط كأداة للوصول للحكم ثم ينقض عليه. * هل ترى أن النظام المصري الحالي مهتم بوجود معارضة فاعلة في النظام السياسي؟ - المشكلة في مصر لا تتعلق بالنظام وحده، بل هناك رأي عام أصبح معاديا لفكرة العمل السياسي والمعارضة السياسية، وهناك شعور بأن مصلحة البلد تقتضي الاصطفاف وعدم كسر الصف. وهذه فكرة أوافق عليها في بعض التحديات الكبرى، لكن يجب أن يكون هناك إدراك في الرأي العام بأن الاختلاف في الرأي في الشؤون الاقتصادية أو الاجتماعية أو تسيير الدولة، أمر ضروري وليس عيبا. الديمقراطية ليست نظاما لمصلحة الشعب وحده، بل أكثر من يستفيد منه هو الحاكم، فالديمقراطية ليست الوقوف في طوابير انتخابية لتختار، بل معناها أن الناس أصبحت شريكة في القرارات التي يأخذها الحاكم، وتدافع عنه، وتشعر بأنها جزء من ذلك، وتتروى في انتقاد سياسته التي اختارتها معه. عندما تغلق كل تلك القنوات يصبح الحاكم هو المسؤول الأوحد الذي يحاسبه شعبه على كل خطوة. * هل النظام الحالي لديه الاستعداد لذلك؟ - النظام العام في مصر سواء في الدوائر الرسمية أو الرأي العام متحفز ضد وجود معارضة، لأنه ينظر إليها على أنها تشق الصف الوطني المشغول بتحديات كبيرة. الأحزاب القائمة لا ترتقي أصلا لقوة حزب معارض، كما لا يمكن الحديث عن معارضة طالما ليس هناك حزب حاكم. * ما تقييمك لـ«الحرب على الإرهاب» في مصر؟ - المعركة التي تخوضها الدولة وأجهزتها حاليا مهمة طبعا وأساسية ولا يملك أي شخص إلا أن يصطف وراءها، سواء بشكل شخصي أو حزبي، وليس لدي إلا كل التأييد والدعم لمجابهة العمل الإرهابي في مصر بمنتهى الحزم وبمنتهى القوة وبفكرة الحشد العام والتعبئة العامة للبلد لمواجهة خطر كبير جدا، وقد رأينا عواقبه في بلاد مجاورة وما يمكن أن نصل إليه، وهذا ليس محل جدل. وما سوف أقوله سيكون انطلاقا من هذا وليس انتقاصا منه؛ إن الاعتماد على المؤسسات الوطنية العسكرية والأمنية وحدها غير كاف للقضاء على الإرهاب، حيث إن إحدى وسائل مواجهة الإرهاب هي تماسك المجتمع، ويتحقق ذلك من خلال اقتصاد قوي، وحياة حزبية حقيقية تطرح للناس أفكارا ورؤى، كما أن التمسك بالدستور والقانون في هذه اللحظة دليل على قوتك أمام الإرهاب، وبالعكس، فإن تعطيل الدستور وإهمال تطبيق القانون هو تسليم بأن الإرهاب انتصر عليك. * هل ترى أن الدولة المصرية غير قادرة على هزيمة الإرهاب؟ - بالعكس، واضح أن المؤسسة العسكرية والشرطة، قادرة على مواجهة أخطار الإرهاب، بالتعبئة والحشد والإصرار رغم ما تقدمه من تضحيات. حقيقة لا أملك معلومات عن النتائج على أرض الواقع، لكني أعتقد أن الانتصار على الإرهاب هو انتصار في الأفكار وليس بضرب المواقع العسكرية فقط. * بعد 10 سنوات من العمل العام بين السياسة والاقتصاد، هل تشعر أننا وصلنا إلى لحظة يأس تجعلنا نقول إن المصريين لا تناسبهم الديمقراطية على الطريقة الغربية، أم إن هذه الديمقراطية لا تصلح لإدارة دولة بمتناقضات وأوضاع مصر؟ - لا أعتقد أن مصر وصلت لطريق مسدود في قصتها مع الديمقراطية، وأعتقد أن المصريين عندهم رغبة وتطلع لمجتمع أفضل.. لديهم مخاوف مشروعة تماما من الوضع الاقتصادي، والوضع الأمني، ومن المعركة مع الإرهاب، لكن هذا لا يعني تنازلهم عن بناء مجتمع أفضل وأكثر عدالة وأكثر حرية. ما نمر به هي مرحلة ضرورية بعد ثورة شعبية بدأت في يناير 2011 واكتملت في يونيو 2013، وعندي أمل كبير وقناعة حقيقية بأنه في نهاية المطاف سنجد طريقا إلى توافق ما، وأقصد بوضوح التوافق مع المجتمع كله وليس مع تيار محدد، توافقا يغلق ويطوي صفحة خلافات كثيرة جدا. * في تجربتك السياسية، كنت شاهد عيان على كثير من الانتخابات، وعايشت اختيارات المصريين المتقلبة، التي جعلت «الصندوق» هو «السلم» التي تصل من خلاله تيارات فاسدة للحكم وتقصي كل ما هو جيد ومحترم.. ما تعليقك؟ - لا أشك في أن الناس في النهاية تحسن الاختيار، المشكلة في الضوابط والقوانين والمسار الدستوري المعيب.. الناس تختار وفي وجهة نظرها أن اختيارها صحيح، كما أنه لا يوجد بلد في العالم بدأ تجربة ديمقراطية ووصل لمرحلة مستقرة ومرضية في خطوة واحدة.. سوف نجد يوما ما طريقنا للديمقراطية ونعبر مراحل مختلفة كي نصل للطريق الصحيح، وهذا لا يعني إطلاقا أن المصريين غير قادرين أو غير مستحقين الديمقراطية. * ما دلائلك في السنوات العشر على أن المصريين حين تتاح لهم الفرصة، فإنهم يحسنون الاختيار؟ - مبدئيا لا بد أن تستبعد الانتخابات التي كانت فيها شبهة تزوير، وتستبعد أيضا النتائج التي يكون فيها المناخ المحيط بالانتخابات غير نزيه.. الديمقراطية ليست هي الاصطفاف أمام الصناديق بالملايين، هي منظومة متكاملة. قبل أن تحاسب الناس، عليك أن تبني أولا هذه المنظومة وتقبل بها بأكملها، بمعنى أن يكون هناك نشاط حزبي حر، وتكون هناك ضوابط على التمويل، وعلى استخدام دور العبادة، وأن يكون هناك مجتمع مدني نشط، ويكون فيه إعلام مستقل.. إذا وضعت هذه الضوابط، فسيكون من الطبيعي أن يكون اختيار الناس سليما ويعبر عن رغبتهم الحقيقية. * في عام واحد، قال 12 مليون مصري «نعم» لدستور الإخوان، ثم قال العدد نفسه أيضا «نعم» على الدستور الحالي (دستور لجنة الخمسين)، قد يكون أكثر من 75 في المائة منهم قد وافقوا في المرتين رغم التعارض التام بين دستور يختطف مصر نحو مرجعية دينية، وآخر يعيدها إلى شخصيتها المدنية؟ - الناس هنا تختار شيئا واحدا وتقوله بصوت عالٍ، لكننا لا نريد أن نسمعها أو نفهمها.. الجماهير تقول إنها تختار ما يمكن أن يكون أساسا لإجماع الوطن، يقولون إنهم يختارون ما يمكن التوافق عليه، مصر تحتاج إلى أن تجد طريقها نحو التوافق الوطني، سَمِّه «مصالحة» أو «مبادرة». إن الاندفاع في رفض كل أشكال التوافق الحاصل الآن، لا أعتقد أنه اختيار شعبي، أظن أنه اندفاع وحماس إعلامي، لإضعاف الحياة السياسية، وهذا هدف لدى بعض القوى في المجتمع، لكن اختيار الناس في غاية الاتساق.. هم يكادون يقولون لنا: «اتفقوا واحنا معاكم».. لكن «احنا مش عاوزين نتفق».