الشاعر خميس السلطي، أحد الأصوات الإبداعية المميزة في سلطنة عمان، نشأ في بيئة محفزة للأدب فورث الشعر النبطي والشعبي من أسرته وأقربائه الشعراء بالفطرة، ودفعه إصراره لكي يكون شاعراً مميزاً إلى مواجهة الكثير من التحديات والصعاب، أبرزها أن الساحة الشعرية في السلطنة، لا تقبل بالهزيل من الشعر، ولا تحبذ الغوغائية، لذا عكف على القراءة والبحث والتقصي، ومعرفة كل ما هو مدهش في عالم الشعر، وعبر مسيرته الشعرية شارك فى العديد من المهرجانات والمسابقات، وصدر له ديوان للغياب في العام 2006م، ويحضر الآن لإصدار ديوانه الثاني. * حدثنا عن بداياتك الشعرية الأولى؟ هي ككل بداية لكل مشروع أدبي، كانت قلقة، ولكنها في الوقت ذاته كانت محفزة لأن أكتشف ذاتي من خلالها، وربما هُيئت من قبل لأن أكون كاتباً للشعر، حيث حب القراءة والاطلاع ومعرفة الآخر، فالشعر نتاج حياة وروح لحقيقة تسافر بك نحو الألق. * من قدم لك الدعم في بداية حياتك الشعرية؟ -الداعمون كثر، وهم الأصدقاء من حولي، الذين كانوا قساة معي ومع ما أكتب، وهذا أمر أفتخر به، حيث يقول المثل (رحم الله كفا صفعتني فنفعتني)، فكانوا ينظرون إلى الشعر في ذات خميس السلطي وليس لشيء آخر، ربما لأن لديهم شعوراً بأن هذا الإنسان هو مشروع شاعر، أما في ما يخص تحول الهواية إلى احتراف، فإن كان هناك ثمة احتراف يذكر، فهو يعود لأرضية الساحة الشعرية في السلطنة الصلبة والمتزنة، فالأجواء من حولنا وكما ذكرت سابقاً لا تقبل أن نكون في مصاف المتأخرين، في ذلك الوقت كان للشعر حضوره ووهجه، بعيداً عن الصخب والتكلف والتمثيل والزعيق في المنابر، كنا نحاول جاهدين الاشتغال على قصائدنا الشعرية التي لانزال نفتخر بها لليوم. * الشعر النبطي هو الغالب على قصائدك.. لماذا؟ - لأن البيئة من حولي هي المحفز الرئيسي لأن أتوجه إلى هذا النوع من الشعر، الشعر النبطي هو الشعر الذي كان قريبا من بيتي وأسرتي (والدي، أخي الأكبر)، هؤلاء شعراء حيث الكلمة الشعبية والنبطية، وأيضاً القريبون مني في العائلة كانوا شعراء بالفطرة، لم نتعلم الشعر فقط بل تتبعنا أسسه التي تجمّله وتظهره في صورة أبهى وأجمل. * لماذا لم تتجه الى القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة؟ - أكتب العمودي والتفعيلة، ولابد لك أن تلم بالكثير من الأمور الشعرية الفنية أهمها الإيقاع الداخلي للقصيدة، والقبض على روح الفكرة، ويجب ألا ننسى أن الشعر العمودي أيضاً لا يقل جهداً عن شعر التفعيلة، فأنت تود أن تخرج للمتلقي بأجمل ما كتبت من شعر، فالقصيدة هي بنت الشاعر مهذبة مصونة ورائعة، ومما لا شك فيه ان المجتمع الشعري العماني يمارس كل أنماط الكتابة الشعرية، بدءاً من الشعر الشعبي (الرزحة، الميدان، المسبع، القصافي، العازي، الشرح، التغرود) وغيرها من فنون الشعر القديم، مع المحافظة عليها من قبل الشعراء الشباب في الوقت الراهن. * مقارنة بين الشعر النبطي العماني والشعر النبطي في دول الخليج ؟ ما أوجه الشبه والاختلاف والتمايز بين كل منها؟ - اتهم الشعر العماني في الكثير من الأحيان بالإغراق في تناول موضوعاته، وهنا أحب أن أبيّن نقطة مهمة جداً، وهي لا أتصور أن هناك قصيدة رمزية في الشعر الشعبي ككل أو مغرقة في الطرح، هناك قصيدة ناضجة، وتم الاشتغال عليها بحرفية، وأخرجت للمتلقي بصور مبتكرة غير معتادة، ولو عدنا إلى هذا النوع من الشعر فهو يمارس لدى الكثيرين من شعراء الخليج، هناك من يشتغل على قصيدته، فتراها مختلفة، مبهرة، تأخذك إلى الكثير من الاتجاهات، وتوصلك إلى منحنيات شتى، تحلق بك حيث سماوات بكر وفضاءات مفتوحة، كما أن هذا النوع من الشعر، دائما ما يكتب ليبقى. * ما قراءتك للمشهد الشعري العماني المعاصر؟ المشهد الشعري في السلطنة، يعيش لحظات توهج، رغم أنه يفتقد المؤسسات التي ترعاه، وهنا أقصد الشعر النبطي، كانت لدينا مظلة مجلس الشعر الشعبي في السلطنة وهذه المظلة كانت تدعم الشعر والشاعر مادياً ومعنوياً، واختفت فجأة، والآن نحن بلا مظلة تذكر، الا في مناسبات معدودة تمر علينا من قبل وزارة التراث والثقافة، في المقابل هناك اجتهادات شخصية، وهنا أقدم شكري الخالص لهذه الاجتهادات التي تخرج وبشكل سنوي بملتقيات تحتفي بالشعر العماني والخليجي معا، كملتقى عمان الشعري، وملتقى أوزان للشعر والتراث، وصالون الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية، أضف إلى ذلك الحركة الشعرية التي تتولاها المؤسسات التعليمية في السلطنة، وعلى رأسها جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي في جامعة السلطان قابوس والكليات الحكومية والخاصة. * هل الحركة النقدية فى السلطنة تواكب الحركة الشعرية؟ أم هي متخلفة عنها؟ - إن كنت تقصد الحركة النقدية المواكبة للفصيح والشعبي، فأنا مازلت أكرر وأقول، إن الحركة النقدية في عمان لا تزال بسيطة وفردية في أغلب الأوقات، فغياب المؤسسات الثقافية الراعية والتخصصية في هذا الجانب يعرقل حركة النقد، وفي رأيي الشخصي أن النقد بحاجة إلى متخصصين فاعلين، وربما ما يقوم به النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب للأدباء، يحسب ايجابية ثقافية، فهناك أسماء ما زالت تعمل على إيجاد حركة نقدية، خاصة إذا ما علمنا بأن الشعراء هم نقاد أنفسهم. * كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي مثل الإنترنت والفيس بوك في الحركة الشعرية في السلطنة والخليج؟ - لهذه الوسائل خواص مهمة في توصيل الشاعر، فقدت قطعت أشواطاً كبيرة، وأوصلته إلى أمد بعيد وحلقت به في سماوات شتى. لكنها مجحفة في حقه إن صح التعبير، نعم من خلال هذه الوسائل يعيش الشاعر في بيته الخاص، بين أصدقائه ومحبيه، لكنها لا تضيف إلى رصيده المعرفي شيئاً، هي تسطحه في أغلب الظروف، خاصة أن ما يكتبه لا يتعرض للنقد، و يتبعثر هنا وهناك، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تكفل للشاعر حقوقه الفكرية والأدبية، فهو معرض للسرقة والاتهام في أي وقت ممكن. * كيف تنظر الى قصيدة النثر ؟ - سيبقى الشعر، وكما كنت أردد الشعر.. لا يموت، تموت الأجساد، وتبقى الكلمة، قصيدة النثر لها روادها وكتابها العظام، وفي المقابل القصيدة العمودية حاضرة وبقوة، وأيضاً قصيدة التفعيلة، هنا روح الشعر هي التي تبقى، الجمال الذي يبقى، بهاء الحرف الذي يبقى.