الهند تلك الدولة المهمة جدًا في القارة الآسيوية والتي تتزايد أهميتها على الصعيد العالمي بشكل متواصل، كانت تعتبر العالم العربي حليفًا استراتيجيًا لها، فهي شاركت الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر في تأسيس حركة دول عدم الانحياز وساهمت بشكل فعال في نهضة دول مجلس التعاون الخليجي بالعمالة المؤهلة والخبرات الإدارية الاستثنائية، وتنامى عدد مواطنيها في هذه الدول بشكل متواصل إلى درجة أن البحرية الهندية باتت تعتبر في تدريباتها العسكرية أن المنطقة الجغرافية التي تعدها خطها الدفاعي الأول هي منطقة الخليج العربي. ولكن شيئا ما بدأ يحدث في الفترة الأخيرة على ما يبدو هو أن العرب بدأوا يخسرون الهند لصالح إسرائيل، ففي تصويت أخير في الأمم المتحدة وتحديدا بمجلس حقوق الإنسان بها كانت هناك 41 دولة صوتت،منتقدة إسرائيل على تصرفاتها خلال عدوانها على قطاع غزة، وفقط الولايات المتحدة صوتت ضد هذا القرار، ولكن المفاجأة كانت أن الهند امتنعت عن التصويت (وهي واحدة من خمس دول امتنعت عن التصويت)، وبالتالي سجل هذا الموقف سابقة تاريخية غير عادية وهي أنه لأول مرة تصوت الهند مع إسرائيل وليس مع العرب!. الهند الآن تشتري أكثر من سبعة مليارات دولار من المنتجات العسكرية الإسرائيلية، وبعد فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي في الانتخابات الأخيرة في شهر مارس (آذار) الماضي، قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتقديم التهنئة الحارة له عن طريق حسابه على موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر»، وذلك باللغة العبرية، ولم يكتف بذلك، بل إنه وجه مكتبه بأن يعد لزيارة إسرائيل العام القادم، وهي ستكون أول زيارة لرئيس وزراء هندي لإسرائيل. هناك جالية هندية موجودة في إسرائيل (وعددها في ازدياد) تعمل بشكل أساسي في صناعة الذهب والماس بعضهم حصل بالفعل على الجنسية الإسرائيلية. هناك حالة من الاستياء الكبير في الأوساط الهندية تجاه العرب، فهم باعتقادهم لم يعطوا الهند القدر الكافي من الاحترام والتقدير للهند كتاريخ ودولة ولا قدروا مكانتها المتصاعدة وظلوا يعاملونها بعنصرية واضحة، وأن كل مواقفها المؤيدة للعرب عبر عقود طويلة من الزمن لم تحظ بالمكانة والجدارة المستحقة. المشكلة التي تواجه العرب أن «سبحة الشرق» قد تنفرط كلها، فإسرائيل تبدو كواحة سلام وأمان وسط غابة من التطرف والعنف والاقتتال والتشدد والدماء التي تحيط بالمنطقة في كل اتجاه، فالهند لم تخف استياءها من عدم نقد العرب لباكستان التي كانت محتضنة للإرهابيين الذين ضربوا بومباي في الحادثة الإرهابية المعروفة التي ضربت العاصمة التجارية للهند منذ أعوام قليلة، والمشكلة يبدو أن الهند لن تكون الدولة الوحيدة في آسيا التي تميل لصالح إسرائيل، فاليابان أيضا أبدت حرصها على علاقات «أفضل» مع إسرائيل، وهي سياسة تسير بعيدا (ولو بشكل رمزي) عما كانت عليه قديما وهي أن تكون متعاطفة مع قضايا العرب عمومًا. والشهية الأكبر تنفتح الآن باتجاه الصين، فهناك وفود من الصين إلى إسرائيل بشكل شهري للاستثمار في قطاعاتها المختلفة وخصوصًا مع رغبة الصين في التوسع الجاد في قطاع التقنية العالية، وهي ميزة تنافسية للاقتصاد الإسرائيلي. ففي العام الماضي وحده ضخت الصين ما يفوق الأربعة مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي في استثمارات مختلفة من ضمنها الاستحواذ على شركة «تنوفا» أكبر شركة غذاء في إسرائيل والكثير من الشركات المبتدئة والواعدة. إسرائيل ترقص فرحًا وتتنفس الصعداء، فبينما هناك حالة برود متزايد مع علاقاتها في الغرب وخصوصًا مع ازدياد حراك المقاطعة ضدها بشكل ممنهج وارتفاع أصوات النقد ضد سياساتها، ها هي تنجح في خطف دول كانت محسوبة لصالح أعدائها العرب وهي دول واعدة وصاعدة ولديها نهم الاستثمار و«إعجاب» بالسياسة الإسرائيلية، بالإضافة إلى كم هائل وفائض من المال المعد للاستثمار. في سبات عميق ووسط أزماتهم الداخلية يبدو أن العرب خسروا عمالقة آسيا لصالح إسرائيل.