إذا شئت أن تتعرف على ما آلت إليه مصر حاليا، فعليك أن تتأمل جنازتي الراحلين عمر الشريف وسامي العدل. عمر الشريف أحد أبرز نجوم كلاسيكيات السينما العالمية، ويعدل أبو الهول في قيمته الابداعية.. ومنذ ميلاد صناعة السينما في مصر، لم يظهر فنان مصري واحد يزن الشريف، أو يضيف شرفا لمصر في الخارج. ومع ذلك وصفت تقارير غربية جنازته بـالفضيحة.. حيث لم يحضر أحد.. في المقابل اكتظت جنازة سامي العدل منتج ـ ممثل بكل رموز مصرالفكرية والثقافية والإعلامية والصحفية.. حتى أن رؤساء تحرير صحف خاصة حضرت جنازته، وتحدثت عن فاته وكأنها نكسة قومية.. تعدل نكسة 67!! الصحف الغربية وصفت المشهد ـ كما قلت ـ بالفضيحة، ولئن كان هذا الوصف يشير في مضمونه إلى إدانة واضحة للجميع: سلطة ورأي عام، باعتبارهما لم ينزلا الشريف منزلته ولم يحفظا له فضلا.. إلا أن المشهد يتجاوز التوبيخ الغربي الغاضب، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير: مصر في طبعتها الحالية لا تبحث عن القيمة أو عن القامة.. والدليل ما حدث في ألمانيا.. فالصورة التي شاءوا تقديمها لـمصر المدنية تحولت إلى مسخرة بممثلين محليين لا قيمة ولا وزن لهم عالميا.. رغم أن في مصر شخصيات عالمية مشهورة ولها إضافات إنسانية يحترمها العالم، ومع ذلك تم تجاهلها واكتفى منظمو الاحتفالية بما رأيناه رأي العين، وشعرنا بعده بالخزي والعار. الحضور الطاغي لجنازة سامي العدل، لا يعكس ـ مع احترمي له ـ قيمة أعلى من عمر الشريف.. فلا يجوز ـ تقنيا ـ أن نقارن بينهما.. الفارق يمكن قياسة بالسنوات الضوئية.. الفرق فقط أن عائلة العدل لا تزال تمثل حافظة نقود لأهل الفن والمغنى ولصحفيين لهم معها مآرب أخرى. أما عمر الشريف لا يملك إلا تاريخه وتراثه العالمي.. وهي قيمة تعرفها الدول التي تعيش لحظات صعودها الحضاري، وتتجاهلها الدول التي في حالة سقوط حضاري وتبحث فقط عن إرضاء الباب العالي ومخاطبة وده، وتقديمه في صورة الرئيس السوبر.. لا تهتم نخبتها المتزلفة والقابضة على كل مفاصل الدعاية الرسمية والخاصة، إلا أن ينام الملك مبسوط ومطمئن على عرشه.. حتى لو كانت الدولة تتآكل من أطرافها ومهددة في وجودها تاريخيا وجغرافيا. عمر الشريف يمثل مصر الحقيقية.. مصر كما هي.. وكما يعرفها الوطنيون الحقيقون.. وجنازته مثلت مصر في صورتها المختطفة من الطبقات الطفيلية والانتهازية.. مصر الاستثناء .. وليست مصر الأصل.. ولذا شاء القدر أن تكون جنازة العدل في ذات اليوم الذي شيع فيه الشريف.. لتجمع أجزاء الصورة المبعثرة، ويكتمل المشهد وتبرق رسائل طمئنة وثقة في المستقبل.. فالاستثناء راحل لا محالة.. ويبق الأصل في نقائه وطهارته وشموخه.. رحم الله تعالى الفقيدين الكبيرين. almesryoonmahmod@gmail.com