تمثل الجمعيات العمومية والانتخابات أحد أهم الأسس التي تقوم عليها كيانات الرياضة السعودية، من خلال ترشيح مجالس إدارات الأندية التابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب، وهي المظلة الرسمية التي تنظم الأندية التي تهدف إلى احتضان الشباب الرياضي. لكن تنظيم الجمعيات العمومية بات يمثل هاجسا للكثيرين وفي مقدمتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب بعد أن طفت الكثير من المشكلات على السطح والصراعات عبر وسائل الإعلام المختلفة بين المرشحين في الغالب، مما خلف اضطرابات على مستوى الجمهور في بعض الأندية. وفي نادي الاتفاق على سبيل المثال، كان من المفترض أن تعقد جمعية عمومية لاختيار مجلس إدارة جديد في شهر رمضان المبارك، ولكن المشكلات التي طفت على السطح والتجاوزات جعلت الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ممثلة في الأمير عبد الله بن مساعد، تتدخل بشكل مباشر في هذا الموضوع من خلال الاجتماع بالمرشحين للرئاسة: عبد العزيز الدوسري وخالد الدبل، في وقت واحد ووضع حلول بهدف إنقاذ هذا الاستحقاق، وتكليف رئيس مؤقت للنادي إلى حين تحديد موعد جديد لعقد الجمعية. وما حصل في الاتفاق لا يبدو أمرا طارئا أو نادر الحدوث، فقد تكرر الأمر في الجار القادسية قبل عدة سنوات، وكذلك في الخليج والوحدة وحتى الاتحاد مع الاختلاف في حجم الصراعات والمتابعة الإعلامية لها. ومع لوم كل طرف للطرف المقابل واتهامه بأنه المتسبب في عدم تنظيم الاستحقاق الانتخابي بشكل هادئ وسلس في بعض الأندية، يبدو هناك من يوجه سهام النقد للرئاسة العامة لرعاية الشباب كون لوائحها قديمة وتحتاج للتحديث، أو أن الموظفين الذين يقومون بدور التنفيذ لاستحقاق الانتخابات غير قادرين على تطبيق اللوائح، مما يخلق أزمة حقيقية استدعت في الكثير من المناسبات قرارات استثنائية من أجل الوصول في نهاية المطاف إلى آلية لإنجاز هذا الاستحقاق. ومع أن هناك شبه اتفاق على أن التكليف لرؤساء الأندية من قبل الرئاسة لا يمثل أمرا قانونيا في كل الأحوال فإنه في نهاية المطاف يمثل خيارا لا مفر منه في وقت حالة الصراعات وتناثر الأوراق، في وقت تعودت فيه الكثير من الأندية على الاستقرار الكبير في الوضع الإداري نتيجة الدور الشرفي الفعال وترشيح اسم متفق عليه مثل ما حصل للهلال والنصر والأهلي وحتى الفتح. «الشرق الأوسط» فتحت ملف الجمعيات العمومية في الأندية من خلال استضافة أصحاب الخبرة والمختصين في القانون إضافة إلى مسؤول في رعاية الشباب، حيث تحدث الجميع بشفافية حول هذا الموضوع الهام الذي يمثل مستقبل أندية كثيرة، بل جميع الأندية، بكون الاستحقاق الانتخابي هو فرض على الجميع ولكن تختلف أهميته من ناد لآخر بحسب الصراعات الموجودة أصلا في أوساط المنتمين لهذا النادي أو حتى محبيه في جميع مناطق المملكة، وكون مجالس الإدارات هي الركيزة الأساسية في نجاح وفشل أي ناد. بداية يقول فوزي الباشا وهو الذي وصل إلى رئاسة نادي الخليج من خلال صندوق الانتخابات قبل عامين بعد صراع شديد مع منافسيه: «المشكلة الأساسية في الجمعيات العمومية هي أن اللائحة قديمة جدا وبها الكثير من الثغرات؛ إذ إن هذه اللائحة كانت قد اعتمدت منذ عهد الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله ولم يجر عليها أي تعديل أو تطوير يتناسب مع الوضع الحالي، إذ إن الجمعيات العمومية تصادفها في الغالب الكثير من المشكلات وخصوصا في حال تقدم اثنين أو أكثر لمنصب الرئاسة وتقديم كل منهما لائحة لمجلس إدارته من الأعضاء الذين يرشحهم للعمل معه». وتابع: «هذه الخلافات أو الصراعات لم تعد خافية على أحد، بل بدأت تظهر بشكل كبير على السطح، وما يحصل في الاتفاق في الفترة الأخيرة لم يكن أمرا طارئا بل إنه تواصل لمسلسل طويل من هذا النوع من الصراعات في حال عدم وجود تحديث للوائح ووضع (دستور) جديد يتناسب مع الفترة الحالية، كما فعل الاتحاد السعودي لكرة القدم حينما وضع دستورا له أخيرا ونال الاعتماد والموافقة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، بل أعتقد أن وضع دستور جديد أو على الأقل تطوير لوائح الجمعيات العمومية في الأندية أهم لأن الأندية هي كيانات لا تقتصر على كرة القدم، بل على عدة أنشطة، وإن كانت كرة القدم هي الواجهة الحقيقة في أي ناد، وغالبا ما يكون وضع الفريق الكروي الأول هو المحرك الأساسي لمسار هذا الاستحقاق». وبين أن المشكلة الأساسية في اللوائح هي حجم الثغرات الكبيرة التي تجعل هناك اختلافات في تفسير بعض الفقرات فيها من شخص لآخر، وحتى من الرئاسة العامة لرعاية الشباب نفسها، فمثلا المتعلق بأعضاء الشرف ودورهم في تحديد مستقبل النادي، وتثقيف الجماهير بآليات الجمعيات العمومية والانتساب للنادي من خلال الحصول على العضوية التي تمكن حاملها من المشاركة في تحديد مستقبل النادي، إذ إن هناك أزمات تطرأ كلما حان ذكر موعد الجمعيات العمومية في وقت يهجر فيه الكثيرون النادي ويبتعدون عنه لسنوات قبل الظهور على السطح فجأة والحديث عن الرغبة في المشاركة في صنع مستقبل النادي، وعادة ما يتحكم في هذا الأمر «العواطف» أكثر من الإدراك بالأنظمة والقوانين. وعن رأيه فيما حصل في الاتفاق وقرار تكليف أمين عام النادي أحمد الدوسري بتسيير الأمور إلى حين عقد الجمعية العمومية على خلاف ما كان متبعا لسنوات في أندية أخرى بتكليف الرئيس ومساعدة أعضاء في مجلس إدارته إلى حين عقد الجمعية العمومية، قال الباشا: «في الاتفاق صدرت عدة استثناءات، ومع أنني أرى أن التدخل من الأمير عبد الله بن مساعد مباشرة كان أمرا ضروريا جدا خصوصا بعد أن أخذت الصراعات منحنيات خطرة، ولكن كما قلت في نهاية المطاف المشكلة في اللوائح القديمة والثغرات الكثيرة التي برزت واتسعت مع الوقت، وأعتقد أن تكليف أحمد الدوسري برئاسة النادي بشكل مؤقت كان الخيار الأفضل للرئاسة لكون الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز الدوسري أعلن تقدمه للترشح مجددا ووجود منافس له هو خالد الدبل، ولذا كان من الأنسب بالنسبة لرعاية الشباب تكليف شخص (يقف) في المنتصف بين المرشحين». وتمنى الباشا أن تتطور آلية الانتخابات بحيث يتم اعتماد التكنولوجيا كخيار رئيس من حيث يصوت الناخب من مكان وجوده عبر الدخول لموقع الانتخابات والإدلاء بصوته بكل هدوء وحرية، كما حصل مثلا في هيئة المهندسين السعوديين وغيرها، وتحققت نجاحات كبيرة، إذ إن الطريقة التقليدية تعتبر مزعجة جدا. من جانبه، قال الدكتور جاسم الياقوت الخبير الرياضي المعروف الذي وجود كعضو عامل وكذلك رأس نادي القادسية وخدم الرياضة السعودية لقرابة 40 عاما عبر مناصب مختلفة، من بينها عضوية الاتحاد السعودي لكرة القدم، إن المشكلة في موضوع الجمعيات العمومية تكمن في «الجهل» في الأنظمة والقوانين المنصوص عليها في اللائحة المكتوبة بهذا الشأن والتي أصدرتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ولذا هناك أهمية في الجانب التثقيفي أكثر من أي شيء آخر. وأضاف الياقوت: «هناك من لا يفرق بين العضو العامل والعضو المنتسب، فالعضو العامل يكون من أعضاء الشرف الفاعلين ليس بالدعم المالي فقط، بل بالمشورة والنشاط وغير ذلك من الخدمات التطوعية، وكذلك عضو مجلس الإدارة والمشرفون الرسمون العاملون وأيضا المنتسبون الرسميون في خدمة النادي وأنشطته وألعابه، أما المنتسب الذي يستفيد من مرافق النادي فقد يكون مواطنا أو أجنبيا، ولذا لا يمكن المساواة بين النوعين من العضوية، ففي الفترة التي ترأست فيها نادي القادسية كان عدد الأعضاء المنتسبين يصل إلى 3 آلاف عضو، ولكن عدد الذين صوتوا في الانتخابات أقل من هذا العدد بكثير، وهذه النقطة تحديدا لا تزال مجهولة لدى شريحة واسعة وتحتاج كما قلت للتثقيف». وعن موضوع تحديث اللوائح القديمة فيما يخص الجمعيات العمومية، قال الياقوت: «سبق أن طلبنا مرارا وتكرارا تحديث اللوائح، وقد طلب منا رسميا ذلك من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب عن طريق وكيل الرئيس العام لشؤون الأندية سعود العبد العزيز، وقمت بإرسال المرئيات من واقع الخبرة التي اكتسبتها، وكذلك أرسل غيري، ولكن لم يحصل أي تطوير على هذه اللائحة الموجودة منذ عهد الأمير فيصل بن فهد رحمه الله، ونتمنى مجددا أن يحصل تطوير للائحة ويكون الموظفون المكلفون بالإشراف على الجمعيات العمومية والانتخابات قادرين على العمل بالأنظمة واللوائح وليس الاجتهادات بسبب عدم اليقين من آلية التنفيذ أو الجهل»، مستذكرا تحديه للمحاسب القانوني بشأن وجود مخالفات قانونية واضحة في عهد إدارة عبد الله الهزاع في الانتخابات التي كان المرشحان فيها على منصب الرئاسة عبد الله الهزاع الذي رشح نفسه حينها للاستمرار في الرئاسة، وكذلك معدي الهاجري، «حيث حصلت مخالفات قانونية واضحة وطلبت مناظرة عبر التلفاز وبحضور المكلفين بالإشراف على الانتخابات في الرئاسة العامة، ولكن هذا لم يحصل للأسف». وبين أن هناك أهمية لفرز الأسماء التي تود الحصول على موافقة للمشاركة في الانتخابات، مستغربا من حجم الأسماء المقدرة بعشرة آلاف شخص ممن سيسمح لهم بالتصويت في انتخابات الاتفاق، معتبرا أن ذلك يعتبر مخالفة قانونية واضحة لأن العضو يجب أن يمضي على دفعه رسوم العضوية، ولكن في النهاية اللوائح والاستثناءات يمكن أن تعدل أو تحصل استثناءات من الرئيس العام بإبعاد شخص أو مجموعة دون إبداء أسباب الإبعاد. واعتبر أن السداد الجماعي الذي يجري الحديث عنه في موضوع الاتفاق يجب أن يتضمن وقفة جدية من الرئاسة بالتعاون مع مؤسسة النقد العربي السعودي للتأكد من صحة حدوث هذا النوع من التجاوزات كما حصل حينما أبعدت أسماء داعمة للهاجري بحجة السداد الجماعي ولم تبعد بنفس الحجم أصوات داعمة للهزاع، مما تسبب في فوز الأخير. واعترف بأن هناك تحالفات تحصل عادة بين الشخصيات للحصول على قوائم داعمة، وهذا غير مقتصر على انتخابات الأندية، بل على مستوى انتخابات المجالس البلدية والغرف التجارية وغيرها. ودافع خالد القميز المكلف من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالإشراف على الإجراءات الأولية لانتخابات نادي الاتفاق عن الرئاسة العامة، واعتبر أن تعزيز ثقافة الانتخابات تعد خطوة إيجابية جدا، ويجب ألا ننظر للسلبيات في التجارب ونتجاهل الإيجابيات، مضيفا: «حاليا باتت تجارب الانتخابات موجودة في كل الاتحادات التي تقع تحت مظلة اللجنة الأولمبية السعودية، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي، ويجب أن يبنى عليه الكثير من الأمور الإيجابية». وبشأن تحديث اللوائح والأنظمة فيما يخص الجمعيات العمومية والانتخابات والقول إن اللوائح التي تسير عليها رعاية الشباب قديمة ولا تتناسب مع الأوضاع الحالية؛ ما خلق مشكلات كثيرة في الاتفاق، وقبلها في القادسية والاتحاد والخليج والوحدة وغيرها، قال القميز: «كل شيء يجب أن يحدث بما يتناسب مع التطور، وبكل تأكيد الرئاسة العامة لرعاية الشباب حريصة على التحديث بما يتناسب مع الواقع على أن يخترق مضمون اللائحة المعتمدة، وتطوير اللائحة يعتبر مطلبا هادفا لمصلحة الرياضة السعودية، ولا أعتقد أن هناك من سيرفضه ما دام أن هناك حاجة له». فيما اعتبر القانوني خالد أبو راشد أن وضع اللوم على الرئاسة العامة لرعاية الشباب ولوائحها في المشكلات التي تحصل في بعض الأندية فيما يخص الجمعيات العمومية أو الانتخابات، ليس في محله أبدا؛ لأن هناك نماذج لأندية تسير أمور ناديها بكل هدوء وفق اللوائح الموجودة؛ ولذا فشل أشخاص في حفظ الهدوء في أنديتهم يجب ألا تتحمل وزره الرئاسة، بل يمكن القول إن الموضوع تنظيمي في الأندية أكثر من موضوع مشكلات قانونية في اللوائح، مستدلا بتأجيل جمعية لنادي الاتحاد في فترة سابقة لعدم اكتمال النصاب، وهناك أيضا تحصل صراعات بعيدة عن الأساليب الحضارية بين المتنافسين في أندية أخرى، وهذا لا ينفي تماما ضرورة تحديث اللوائح ولكن وضع كل المشكلات عليها غير منصف أبدا. وأخيرا يقول المحامي والقانوني بندر بن شمال، وهو نجل لعضو مجلس إدارة الاتفاق السابق شمال الدوسري، إن المشكلة لا تكمن في اللوائح نفسها، بل فيمن يتولى تطبيقها، اللوائح تحتاج بكل تأكيد إلى تطوير، ولكن يجب أن يكون الاهتمام أكبر بتطوير قدرات من يكلف بالقيام بتطبيقها، والذين هم أساس المشكلة كما يحصل في نادي الاتفاق، مما استدعى تدخل الرئيس العام وفرض عدد من القرارات الاستثنائية للتغلب على بعض المصاعب والأخطاء التي ارتكبت من قبل المكلفين بتطبيق اللوائح، مشددا على أن هناك دورا ضعيفا لأعضاء الشرف في بعض الأندية، من بينهم الاتفاق، مما يجعل النادي يعاني، على عكس بعض الأندية التي يكون لأعضاء الشرف الكلمة الأولى في تحديد مستقبل النادي، ويكونون سندا حقيقيا للشخصية التي يقفون خلفها جميعا لتسيير أمور النادي.