باشرت السلطات التونسية في تنفيذ مشروع الجدار العازل الذي قدرت تكلفته نحو 150 مليون دولار على امتداد 168 كيلومتراً من حدودها المشتركة مع ليبيا التي يبلغ طولها نحو 500 كيلومتر، وينتظر أن يمتد الجدار ليصل إلى 220 كيلومترا، بينما ستبقى بقية المسافة الحدودية في غير حاجة إلى الضبط عبر المشروع الجديد باعتبارها منطقة عسكرية مغلقة تخضع لقانون المناطق العازلة فيما عززت السلطات التواجد الأمني لحماية المنشآت السياحية. وتشهد الساحتان التونسية والليبية حالة من الجدل الحاد حول أهداف المشروع وجدواه وما إذا كان سيحد فعلا من ظاهرتي الإرهاب والتهريب، وهل أن تونس فقدت الأمل في إمكانية تجاوز ليبيا لحالة الانفلات الأمني التي تعيشه أم أن لديها معطيات عن إمكانية تفاقم الأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة بما قد يتسبب في تدخل عسكري خارجي سيدفع بعدد كبير من المتشددين إلى الفرار إلى الأراضي التونسية. مخاوف حقيقية ويرى مراقبون أن انطلاق تونس في تشييد جدار عازل على حدودها مع ليبيا يشير إلى مخاوف حقيقية من تأزم الوضع أكثر في الجارة الشرقية خصوصا مع اتساع نفوذ داعش في المنطقة الوسطى واتجاهه إلى منطقة الغرب الليبي ، إضافة إلى الفشل الذريع الذي منيت به منظومة فجر ليبيا ميدانيا وسياسيا وسعيها لخوض معركتها الأخيرة في العاصمة طرابلس. وتكهن الخبراء أن تشهد ليبيا في الخريف المقبل صراعا حادا يتزامن مع موعد انتهاء مدة ولاية البرلمان المنتخب في أكتوبر 2015. حالة إحباط ولا يخفي المهتمون بالشأن التونسي أن السلطات المحلية تشعر بحالة من الإحباط إزاء الوضع الليبي خصوصا وأن النخبة التونسية الحاكمة كانت على امتداد عقود طويلة عاجزة عن فهم طبيعة الواقع الليبي ومكتفية بالتعامل مع الجهات الرسمية ، وهو الأمر الذي أثبت فشله مع انهيار مؤسسات الدولة المركزية في طرابلس وسيطرة الميلشيات وتشدد السلطات. وتأكد هذا الوضع مع محاولات التنسيق بالتوازي مع الحكومة المؤقتة المنبثقة عن البرلمان المنتخب الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرا له ومع حكومة الأمر الواقع في طرابلس التابعة للمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته والتي ترتبط بعلاقات سياسية عقائدية مع إسلاميي تونس وفي مقدمتهم قادة حركة النهضة المشاركين في الحكم ومنهم رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي قال إن فجر ليبيا درع لتونس وهو ما ثبت أنه مناف للحقيقة بعد أن تم اختطاف عدد من موظفي القنصلية التونسية في طرابلس في مايو الماضي ثم تهديد الميلشيات بهدم الجدار الذي تتولى تونس بناءه حاليا. ويعتقد المحلل السياسي التونسي عبدالحميد بن مصباح في تصريحات لـالبيان أن مشروع الجدار العازل على الحدود المشتركة التونسية الليبية كان محور حديث بين الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ومسؤولين فرنسيين وأميركيين خلال زيارتيه إلى باريس وواشنطن في أواخر أبريل وأوائل مايو الماضيين، مضيفا أن تونس ليست مستهدفة من حالة الانفلات الأمني في ليبيا ولكن من مخططات إقليمية ودولية لفرض حالة الفوضى الخلاقة اعتمادا على الإرهاب العابر للحدود. إرهابيون وأسلحة وكان رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد أعلن يوم 7 يوليو الجاري أنّ بلاده شرعت في بناء جدار وخندق على طول الحدود مع ليبيا ضمن الخطط الرامية لمنع تسلل المتطرفين بين البلدين ، مشيرا إلى انه تم الشروع في بناء جدار رملي وحفر خندق على الحدود مع ليبيا على أن يتم الانتهاء منهما في نهاية العام الجاري. وجاء إعلان الصيد عن المشروع بعد حادثة الهجوم على منتجع سياحي في مدينة سوسة الساحلية في 26 يونيو الماضي والذي أدى إلى مقتل 38 سائحا أجنبيا وإصابة 40 آخرين بجراح ، حيث تبين من خلال التحقيقات الأمنية والقضائية أن منفذ الهجوم سيف الدين الرزقي تدرب على حمل السلاح في صبراتة الليبية (التي تبعد عن الحدود المشتركة بمسافة لا تتجاوز 100 كيلومتر )على أيدي مقاتلين تابعين لتنظيم أنصار الشريعة الإرهابي ، كما تبين أن الرزقي تدرب في ليبيا ومعه عنصران آخران كانا قد تورطا في 18 مارس الماضي في الهجوم على متحف باردو بقلب العاصمة التونسية حيث قتلا على أيدي رجال الأمن بعد أن تمكنا من قتل 20 سائحا أجنبيا ورجل أمن تونسي ويشير المسؤولون التونسيون إلى أن أغلب المسلحين المتورطين في أعمال إرهابية داخل البلاد هم ممن يتدربون على حمل السلاح في التراب الليبي على أيدي الجماعات المتطرفة مثل أنصار الشريعة وداعش وبعض الميلشيات المتشددة ضمن منظومة فجر ليبيا والتابعة لمجلس ثوار ليبيا ، كما أن أغلب السلاح المخزّن والمستعمل في تونس تم تهريبه من ليبيا خلال فترة حكم الترويكا بين العامين 2012 و2013. تقنيات حديثة ويتمثل مشروع الجدار العازل الذي تبنيه تونس على حدودها مع ليبيا في مجموعة من الخنادق والسواتر الترابية سيتم تدعيمها بمنظومة مراقبة إلكترونية تشمل رادارات أرضية ثابتة ومتحركة لمراقبة ورصد التحركات وأجهزة كاميرا مثبتة على أبراج مراقبة على طول الحدود إضافة إلى مراقبة جوية باعتماد طائرات دون طيار وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية بلحسن الوسلاتى أن الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع هي وزارة الدفاع، مضيفا أن مشاركة أية جهة أخرى تكون بطلب منها أو بتسخير في إطار اتفاقية مضيفا أن كلفة أعمال تهيئة الأرض دون اعتبار منظومة المراقبة هي 15 مليون دينار ، بينما تؤكد المصادر الحكومية أن تكلفة الجدار تصل إلى 150 مليون دولار ، وأن مبلغ ال60 مليون يورو من ديون فرنسا لدى تونس، الذي أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، عن تحويله إلى مشاريع استثمارية في تونس، سيُخصص لتمويل هذا المشروع. وقال النائب عن حركة نداء تونس إسماعيل بن محمود لالبيان إن تونس تبحث عن مساعدات دولية لإتمام المشروع خصوصا من خلال توفير التقنيات الحديثة في الرصد والمتابعة ، مضيفا أن الجيش يقوم حاليا بإنجاز الجدار العازل ومعه سبع شركات خاصة تشارك في تنفيذ المشروع وخاصة في ما يخص حفر الخنادق ورفع السواتر الترابية الى مستوى مترين فوق الأرض استراتيجيات كاملة أما وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني أوضح أن الوضع على الحدود التونسية-الليبية تحت السيطرة باعتبار جاهزية الترتيبة الدفاعية المادية عبر بناء حواجز و خنادق على طول الحدود بالإضافة إلى الترتيبة الدفاعية البشرية التي تم تعزيزها بعدد هام من العسكريين على الحدود ،مشيرا الى وجود إستراتيجية كاملة لإغلاق كل الحدود الصحراوية و الإبقاء على المعابر الحدودية فحسب وذلك عبر تركيز نقاط عبور مراقبة على طول الشريط الحدودي و كل مخالف لهذه التعليمات يتم التعامل معه بجميع الوسائل بما فيها ذلك السلاح. تعزيزات أمنية في غضون ذلك، عززت السلطات من إجراءاتها الأمنية لحماية المنشآت السياحية إذ دفعت بـ300 عسكري في نابل السياحية. وأكد والي المدينة محمد العكرمي الحامدي تعزيز التواجد الأمني بأكثر من 300 عون أمن بين شرطة وحرس لحماية المنشآت السياحية بالجهة حيث تم توزيعهم بمعدل أربعة أعوان لكل منشأة مع توفير التجهيزات والوسائل الضرورية.وأضاف أنه تم تدعيم التأمين الذاتي للمنشآت السياحية وتكثيف الحراسة على مستوى المداخل، قائلا إن تركيز الحضور الأمني بولاية نابل كان من الجبل حتى الشاطئ لحماية كل المنشآت الحساسة بما فيها الفضاءات التجارية الكبرى ومحطات النقل. نفي أكّد وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش عدم تسلّم تونس أي احتجاج رسمي ليبي بخصوص الحاجز الحدودي الذي تم الشروع في بنائه على الحدود مع ليبيا ، وقال البكوش في تصريح للإذاعة الحكومية لم نتلق أي احتجاج رسمي من حكومة طرابلس بخصوص بناء الجدار الترابي على الحدود مع ليبيا.