إنَّنَا حِينمَا نتحدثُ عن خُلقِ التسامحِ والتعايشِ وَضَرُورة إبرازهِ في حَياتِنا اليومية لابدَّ أن نؤكدَ على أهميةِ الحديثِ عن مرتكزاتِ التعايش الأربعةِ ألا وهي: أدبُ الحوارِ عندَ الاختلاف، فقد قال الحق سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ . فالحوارُ هو النَّتيجة الطَّبِيعة عندَ الاختلاف للوصول إلى الحق والصواب وهو من أهمِّ وسائل التَّفاهم بين النَّاس مَهمَا تباعدت ثقافاتُهم وتوجهاتُهم ولا يمكن لأيِّ حوار يَنجح ويحقق ما نصبوا إليه من جميلِ التعايش إلا بالأخذِ بآدابه والتي من أهمَّها الإخلاص في النيةِ من أجل الوصول إلى الحق، يقول الإمام الشافعي رَحمه الله : مَا نَاظَرتُ أحداً قطّ فأحببتُ أن يُخطِئ. ومَا نَاظرتُ أحداً قطّ إلا أحببتُ أن يُوفقَ ويُسدَّدَ ويُعانَ ويكونَ عليهِ رِعايةُ مِنَ اللهِ وحِفظ. ومَا نَاظرتُ أحداً قطّ إلا وَلَم أبالِ بَيَّنَ اللهُ الحقَّ على لسانِي أو لسانه. وَكَذا الصّدقُ والأمانةُ في المعَامَلةِ هي لبنةٌ ثانية في جدارِ التَّسامحِ والتَّعايشِ، فَقد قَال صلى الله عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ . وأمَّا الأمانة فَقد قال فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ . والقاعدةُ الثالثة: الرحمةُ بالآخرين، ذلك الخُلق العَظيم الذي يَجعَل من صَاحِبه قَريبا مِن الجَميع لأنه قَريبٌ من الله كمَا قَال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كانَ هَيّناً لَيناً قَريباً حَرَّمَه اللهُ على النَّار . والرحمةُ تكون للناسِ كافة فلا نضيق دائرتَها فَنَحصُرها في الأقربين بل نَسعَى جَاهدين لِبذلِها للعالمين، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ يرْحَمُ النَّاس كَافَّةً . يقول الشّيخ السّعديّ- رحمه الله تعالى-: إنّ الشّريعةَ كُلّها مبنيّة على الرّحمةِ في أصولِها وفروعِها... ثمّ قال: لقد وسِعَت هذه الشّريعة برحمتِها وعدلِها العدوَّ والصّديق،. ورابعُ هذه المرتكزات العدل في المعاملة: مَعَ القريب والبعيد والخَصم والصَّديق، كمَا قالَ الحقُّ سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً . صاحب الجلالة: لقد تأملتُ في اسمِ بلادي البحرين تلك الجزيرة العربية المسلمة وأصل تسميتها بذلك فوجدتُ أنَّ غالب الرأي قد اتفق على وجود كتلتين مائيتين متمازجتين إحداهما مالحة والأخرى عذبة. فقلت نعم هكذا هي البحرين قد تمازجت مكوناتها فتداخلت في بعض كما تمازجت مياهها بل تمازجت على أرضها الحضارات المختلفة باعتبارها نقطة التقاء حضاري عبر التاريخ. مما ميزها تاريخيا بقدر كبير من التسامح والتعايش. وذلك كله مع احتفاظها بهويتها الإسلامية والعربية التي اكتسبتها بعد دخولها في الإسلام حينما رحبّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأهلها قائلاً: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ: بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى . نعم، لقد كان التعايش بين أبناء البحرين بصوره كلها سواء الجغرافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي ماثلا للعيان ونموذجا يُحتذى به. ولقد حَبَى اللهُ بلادنا البحرين عَبرَ تَارِيخها المشرق بولاةِ أمرٍ حَرَصُوا على تكريسِ مبدأ التّسامح والتعايش بين مُكونات المجتمع الذي تمازجت وتداخلت وشائجه في تناغم جميل تَكَسرَت على صَخرَتِه أمواجُ الفتن التي تعصفُ بالمنطقةِ من حَولِنا. وأظهَرَ أبناءُ البحرين في كل فتنةٍ مِن التّمَاسك والتّعاضد ما خيَّبَ به ظنون المتآمرين من دعاةِ الانحراف والتَّطرف والفتن. وقدَّموا دروساً رائعة ومواقفَ مشرفة يُحتذى بها في التآلفِ والتَّكاتف صفاً واحداً وسداً منيعاً في وَجهِ كلِّ مَن يريد أن يعبثَ بأمنِ بِلادهم ومكتسباتِهم ووحدتِهم ليبعثوا برسالةٍ قويةٍ بأنَّ مملكة البحرين بجميعِ مكوناتِها عصية على كلِّ محاولاتِ الإرهاب والتطرف وأنها لا تزيدهم إلا قوةً وتماسكا. ختاما: أسألُ اللهَ في هذه الليالي المباركة أن يحفظَ بلادنا البحرين من كل سوء وفتنة وسائر بلاد المسلمين وأن ينعم علينا بنعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام. وأسألُه سُبحانه رحمةً يهدي بها قلوبنا، ويجمع بها شملنا، ويلمَّ بها شعثنا، ويردَّ بها الفتنَ عنا، اللهم آمين... والحمد لله رب العالمين ثم تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى بإلقاء كلمة سامية فيما يلي نصها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين،، أصحاب السمو، أيها الإخوة الأعزاء،، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،، يسرني أن أجدد لكم التهاني بشهر رمضان المبارك، وأبارك لكم دخول العشر الأواخر منه، مبتهلين إلى المولى تعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يعيده علينا وعلى وطننا العزيز البحرين وشعبنا الكريم بالخير واليمنِ والبركات، وعلى الأمتين العربية والإسلامية بالرفعة والسلام والاستقرار. كما يسرني أن أتقدم بالشكر والتقدير، لفضيلة الشيخ راشد بن محمد الهاجري، على محاضرته القيمة التي تحدث فيها عن (البحرين بلد التعايش بين الأديان والمذاهب)، فجزاه الله تعالى خيراً وأعانه على ما يبذله مع إخوانه العلماء والدعاة والمصلحين من نصح وإرشاد وتوجيه للمسلمين. الحضور الكريم،، إن هذا الشهر المبارك، مناسبة عظيمة لنا جميعاً للتفكر في ما يجمع كلمتنا ويوحد صفوفنا، ويقوي أُخوتِنا، ويحفظ أمنِنا. كما أن هذا الشهر فرصة للتأملِ في معاني الأخوة التي بيننا، والتي نستمد قوتها من تعاليم ديننا الحنيف ووشائج الدم والقربى وحب هذا الوطن العزيز، وهي من نِعَم الله الكثيرة علينا، التي يجب أن نرعاها حق رعايتها، ونحافظ عليها، وندافع عنها بوحدة الشعب وتماسكه بإذن الله تعالى وتوفيقه. ومما يبعث على الاطمئنان، بأن ما مرت به البلاد من أزمات، لم تكن إلا سبباً إضافياً في تقوية البيت البحريني وتحصينه من أي محاولات بائسة للتشويه، أو للنيل من منجزاتنا ومكتسباتنا الوطنية، التي تحميها وتسندها جهود وطنية عريقة بدأت مبكراً في تاريخ البحرين، ولا تزال مستمرة، بفضل من الله تعالى، ومساعي ابناء وبنات هذا الوطن البررة. ختاماً نسأل الله تعالى، أن يوفقنا وإياكم، لخدمة ديننا ووطننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يحفظ مملكتنا، ويُديم علينا نعمة الأمن والأمان والسلام، إنه سميع مجيب الدعاء. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وقد أدى حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى والحضور صلاة المغرب جماعة.