في رحاب الحرم النبوي الطاهرة وخلال هذه الأيام المقدسة أحاول سرقة عيني زائرة تتشرف بزيارة المسجد للمرة الأولى ،.. أتوحد بها وأستعير عينيها علّني أستطيع رؤية المكان بجلاله وبهائه كما تراه هي .. لأول مرة . استشعر قلبها وهو يرتجف بين أضلعها عندما تعانق نظراتها المكان بجماله ونورانيته وسلامه ، ويهزني من الأعماق فيض مشاعرها وصدقها لحظة لقائها الأولى بالمكان ، الذي حلمت طويلاً بزيارته . أستعير جدة مشاعرها وطزاجتها لأستعيد الدهشة ، وأستحضر قدسية المكان وتجلياته وفيضه وكأن قدميَّ تطأه لأول مرة . أمتلئ بالمكان حتى الثمالة ، واستشعر المعنى وأحاول كشف الستار عن القيمة والرمز اللذين غطاهما إلف العادة وطول المحاذاة والقرب . أحب كثيراً أن أرى مدينتي الحبيبة بعيون زوارها القادمين إليها باختلافاتهم وتنوعهم من أصقاع الأرض ، يحملون دعواتهم وأمانيهم في صرر السفر وحقائبه ، ليطلقوها في ساحات الحرم كحمائم بيضاء تحلق في المدى راجية الاستجابة والقبول . في مدرسة الحرم ومن فيضها الثري تعلمت معنى التعددية ، وأنا أراقب الحجاج والزوار وهم يقبلون على المدينة من كل حدب وصوب حاملين تباريح أشواقهم معهم ، تتطلع أعينهم للخلاص ترجو الرحمة وتتوق للمغفرة ، توحدهم الرغبة والرهبة وإن تعددت المسالك والطرق بتعدد أنفاسهم . في مدرسة المدينة المنورة تلقنت أبجديات تقبل الاختلاف واحتضانه كسنة كتبها الله تعالى على خلقه ، وتعلمت أن أحب ضيوف الرحمن باختلافاتهم، وأترقب مجيئهم في المواسم للمدينة لألتقي بهم وأتعرف على ثقافاتهم المتعددة ، .. موقنة أن أكرمنا عند الله أتقانا. في هذه الأيام المباركة ورمضان يلملم ثيابه ليرحل ، يظللني فيء الحرم النبوي الشريف، أرتشف من معين المعاني العظيمة التي يسكبها في وجداني ، وأنا أقضم تمرة أو أشق ريقي برشفة ماء بارد تمتد بها الأيدي للصائمين والصائمات ، وهي تطمح في الأجر والثواب . تتوحد ذاتي في الذات الكبرى للصائمين والصائمات وأنجدل معهم وفيهم ، ونحن نتقاسم خبز المساواة والمشاركة.. كبيرنا وصغيرنا ، فقيرنا وغنينا، ضعيفنا وقوينا ، يظللنا فيض من التكافل والمحبة والسلام. أحاول أن أنفض عن نفسي غبار العادة وأنا أتأمل واستحضر معاني الصوم العظيمة وقيمه السامية التي ران عليها ماران من إكراهات زمننا ومستجداته . أقفز على جحافل الغابات الاسمنتية الصماء التي تحيط بالحرم ، وأطلق العنان لخيالي ليستحضر أزمنة راحت وأيام ولت ، لم يتبقَّ منها إلا رجع الذكرى وصدى الحنين . بقي أن أقول إن أهالي المدينة المنورة يحلمون بأن لا تبقى إمامة صلاة التراويح والتهجد حكراً على أسماء بعينها ، وأن يكون رمضان موسماً لتجديد الدماء ، وإعطاء الفرصة لأصوات شابة تصل للقلوب وتحرك الوجدان مستنطقة معاني القرآن العظيمة ، والتي تستطيع قراءة متمكنة حاذقة استجلاءها وإظهار أسرارها . ولعلّي أعود لحديث الحرم وطموحاتنا في التوسعة الجديدة في مقال آخر . amal_zahid@hotmail.com