يرى كثيرون أن التاريخ لا بد أن يعيد نفسه متى توافرت الشروط وتشابهت الظروف. على أن الرأي الأكثر رسوخا يقول إنه لا بد أن تكون هناك فروق في عودة الأحداث التي تمر بالناس. نعم فاختلاف الزمان والبنى الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية تؤثر بلا شك في المدخلات والمخرجات، لكن موطئات أي حدث ستؤدي إلى الدفع باتجاه ظهور ردود أفعال متشابهة إلى حد كبير. إن ما نعيشه هذه الأيام من انتشار لنار "داعش" في العالم العربي، ما هو إلا تكرار التاريخ نفسه بسبب توافر المعطيات التي أنتجت الخوارج في مرحلة تاريخية معينة وقع فيها المسلمون ضحايا للخلاف الفكري والاستنباطي، وتهاونوا في قضايا مهمة كالتكفير والتفسيق والإخراج من الملة. لهذا يجب أن يتأكد لدى الجميع أن الجماعات التي تمارس اليوم ما نراه إرهابا محضا، تعيش قناعة راسخة أنها إصلاحية تحاول العودة للأصول. سبب هذه النكسة الكبرى هو اختلاف العلماء وعدم ثبات الرأي في قضايا حرمة دماء المسلمين والناس بشكل عام، التي تأثر بها من يقعون ضحايا منظومة استخبارية أكبر تحاول أن تسيطر على المنطقة باستخدام أبنائها. بعث لي أخ بوصف للخوارج قيل قبل مئات السنين ولنتأمله ونطبقه على ما يحدث بين ظهرانينا اليوم. "ثم خرجوا يتسللون وحدانا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات، والعظائم والخطيئات، وأنه مما زينه لهم إبليس الشيطان الرجيم المطرود عن السموات الذي نصب العداوة لأبينا آدم ثم لذريته ما دامت أرواحهم في أجسادهم مترددات، والله المسؤول أن يعصمنا منه بحوله وقوته، إنه مجيب الدعوات. وقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانهم فردوهم وأنّبوهم ووبخوهم، فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنه من فر بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة". هؤلاء الذين يخرجون من بين ظهرانينا تم العمل على تجنيدهم والدفع بهم نحو كراهية الأهل والمال والديار بطريقة احترافية خطيرة. هذه الفكرة بالذات تدعونا لدراسة التاريخ والمقارنة بالحاضر والتعرف على معالم ما سيكون، بناء على معطيات ونتائج تلك المقارنة. لنستعيد المبادرة ونحمي أبناءنا ووطننا.