×
محافظة المنطقة الشرقية

باريس سان جيرمان يضم الحارس الألماني تراب

صورة الخبر

د. فايز رشيد باغتياله تخلصنا من كتيبة دبابات والآلاف من المخربين هذا ما صرّحته غولدا مائير بعد عملية اغتيال غسان كنفاني! كانت رئيسة وزراء في دولة الكيان الصهيوني حينها. غسان أزعج الصهاينة وكيانهم حياً وميتاً. اعتقدوا عند اغتياله أنهم تخلصوا منه، لكنهم فوجئوا ويفاجأون بأنه ما زال ملهماً للفلسطينيين وللعرب ولغيرهم. توارى جسداً غير أنه مازال حياً في عقولنا وأذهاننا. اقتربت الذكرى الثالثة والأربعون لاغتيال المخابرات الصهيونية، للشهيد الفلسطيني الكاتب، السياسي والمثقف، والأديب المبدع غسان كنفاني، حين قام الموساد بتفجير سيارته في 8 يوليو/تموز 1972. لم يكن كنفاني قائداً عسكرياً يصدر الأوامر للمقاتلين بالقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل حتى تقوم باغتياله. كان فناناً وكاتباً سلاحه القلم، ومع ذلك قام الكيان بقتله، وهو ما يثبت مضاء سلاح القلم في هزّ حصون العدو!. قُدّر لي لقاء غسان كنفاني لساعة في مكتبه في الهدف، ذُهلتُ من بساطته ودماثته وحرصه على إعطاء محدثه انطباعاً بمدى اهتمامه بما يقول. كان اللقاء الأول والأخير (منتصف يونيو/حزيران 1972) جئت إلى بيروت قادماً من عمان وعدت بعد اللقاء. ثلاثة أسابيع مضت على اللقاء وسمعت خبر اغتياله المؤلم حدّ جرح الروح والعقل. من الصعب حصر غسان كنفاني في حقلٍ أدبي أو سياسي معين، فهو القاص والروائي والرسام والسياسي، المناضل الذي جعل من قلمه أداة نضالية طيّعة في تصوير معاناة شعبه، وتحريضه لاستعادة حقوقه من خلال القيام بالثورة ضد العدو. لم يرتضِ غسان بالأفكار السائدة أو المألوفة التي صورت الفلسطينيين في الخمسينات وبداية الستينات كشعبٍ مسكين مغلوب على أمره، وفقط يحتاج إلى تقديم المساعدات إليه! غسان رفض هذا الواقع وقام بعملية تحريض واسعة لأبناء شعبه من خلال مؤلفاته: ففي روايته عائد إلى حيفا وصف فيها رحلة اللجوء من حيفا إلى مدينة عكا الفلسطينية، وكان طفلاً آنذاك لكنه وعى طبيعة الارتحال والتهجير. في رواية أرض البرتقال الحزين تطرق كنفاني إلى الترحال من عكا إلى الشتات، وفي رواية سرير رقم 12 يتطرق إلى الذات في تصوير معاناة الشعب من خلال المرض العضوي والحنين إلى الوطن. في رائعته رجال في الشمس تطرق كنفاني إلى حياة اللجوء في الكويت للفلسطينيين في الشتات، وقام بتصوير صعوبة الرحلة إليها من خلال التهريب، ولو في خزان نقل المياه، كما صور عودته إلى دمشق في سيارة مهلهلة، صوّر الحالة التي كان عليها الفلسطينيون في تلك الحقبة وكان عنوانها: البحث عن لقمة العيش، مثبتاً أنهم ضلوا الطريق. في ذات الرواية تساءل كنفاني عن الفلسطينيين الذين ماتوا في الخزّان قائلاً: لماذا لم يقرعوا جدران الخزّان؟ هذه الصرخة هي رفض للواقع، وتبني لما يجب أن يكون عليه الفلسطينيون من ثورة تتجه لاستعادة الحق والعودة إلى الوطن. كتب غسان كنفاني في جريدة المحرر اللبنانية من قبل، وكتاباته كانت جزءاً من شخصيته الوطنية، كتب باسمه الصريح تارةً، وتارةً أخرى بالاسم الحركي فارس فارس، ومقالاته بهذا الاسم مجموعة في كتاب يحمل ذات الاسم، عندما تقرأها تتضح لك نبوءته لما نعيشه حالياً من محن، تطرق غسان كنفاني من خلال أعماله ومن خلال مقالاته في الهدف إلى العديد من الثغرات والمظاهر السلبية في الثورة الفلسطينية. لم تنصّب كتاباته على هذا الحقل فقط، وإنما يضيف إلى ذلك كيفية الخروج من هذه المظاهر (المآزق) إلى الطريق الصحيح. كما دعا إلى المزاوجة بين النظرية والممارسة. وعى غسان كنفاني حقيقة الدولة الصهيونية والحدود العليا التي قد تصل إليها في التسوية، لذلك رفض ما يسمى بالدولة المستقلة أو الحل المرحلي. لم يكن غسان كنفاني منظّراً من برج عاجي، بل عاش حياة البساطة والعمل مع أبناء شعبه في المخيمات.. كان مثقفاً عضوياً بامتياز، ارتبط بجماهير شعبه وعبّر عن قضاياها. لم يعش غسان كنفاني فترة طويلة بل مات في الثلاثينات، وبالفعل يستغرب الإنسان هذا الكم الهائل من النتاج للمبدع في عمرٍ قصير. لو قُدِّر لغسان كنفاني وكافة شهداء شعبنا الأبرار أن يعودوا إلى الحياة في الوقت الراهن، لاستغربوا ما آلت إليه الثورة الفلسطينية بعد كل هذه السنوات، وبعد كل هذا الكم الهائل من التضحيات: انقسام سياسي وجغرافي بين أبناء الوطن الواحد في ظل الاحتلال، نتيجة البحث عن المصالح الذاتية والتنظيمية باعتبارها الأولوية قبل القضية الوطنية والمشروع الوطني، ولا أمل حاليا، في أي مصالحة.. استيطان صهيوني يأكل الأخضر واليابس من الأرض الفلسطينية.. صلف وتغوّل وعنجهية صهيونية ليس لها مثيل. غسان كم نحن بحاجة إليك وإلى أمثالك في وقتنا الراهن. كم نفتقد كتاباتك. كم نفتقد استشرافك. عزاؤنا: أنك ما زلت ماثلاً بيننا.. أيها الفلسطيني العربي الإنساني الجميل. fayez_rashid@hotmail.com