×
محافظة المنطقة الشرقية

تشغيل 3 محطات لتوليد الطاقة الكهربائية في القطيف في 2015

صورة الخبر

أنفاسنا في الأفق حائرة.. تفتش عن مكان جثث السنين تنام بين ضلوعنا فأشم رائحة لشيء مات في قلبي وتسقط دمعتان فالعطر عطرك والمكان.. هو المكان لكن شيئا قد تكسر بيننا لا أنت أنت.. ولا الزمان هو الزمان! (فاروق جويدة) أضاع فاروق جويدة الإحساس بين يدي المكان والأشخاص حين تتهشم المرآة بالصورة الجميلة وتبقى حيرة البحث عنها بين الشظايا! وفي حياتنا يحدث ما حدث للرجل والمرأة عند جويدة على مستوى أكبر قد يكون تابعا ومتبوعين أو وطنا ومواطنة وقد ينحصر في ذات وصورة حياة! كما حدث مع أحمد الطفل الصغير الذي لم يكبر يوما.. كان أحمد يحمل لعبته الجديدة وهي عبارة عن تنين بأجنحة ينفث الدخان كلما ضغط على مكان ما في رأسه؛ وكان يحلق بخياله الطفولي مع حكايات وحشه المطاطي في الوقت الذي أنهت أمه آخر مشاغل المطبخ بعد أن ساعدها كل من في المنزل إلا أن أحمد صغيرهم المحلق بخياله كان أكثرهم عونا لها. نظرت أمه إليه وتخيلت أن أحمد قد حملته الأفكار للمستقبل بعد سنوات وسنوات ورأى غرفة ألعابه التي يدور بداخلها تتحول لبيت جميل وفي هذا البيت زوجته وأطفاله وكان ولده الصغير يلعب ويحلم مثل أبيه. أحمد يحكي لأبنائه عن مشقة الحياة التي عاشها كيف كانت أمه تعاني الأمرين وهي تنتظر من يحملها لأبسط مشاوير الحياة من العمل إلى المستشفى بل إلى أقرب الأماكن التي لا تستطيع السير إليها في حرّ أو قرّ. قصص السائقين الذين يحملوننا معها يوميا متذمرين وساخطين وهم ينتظرون دخلا أكبر وساعات عمل أقل لأن الأسرة كلها تعتمد عليهم! شكاوى السائقين وأمراضهم التي لا تنتهي وكان يدركها ويدرك أنها لم تكن أكثر من فرصة للمساومة أو تقليل ساعات العمل. كانت أمي تتنهد وتستسلم وتؤجل ما تريد ليوم آخر وكنت ألمح على وجهها شعورا بالعجز وقلة الحيلة وألمح طيف ابتسامة باهتة على وجه السائق. في أكثر الأحيان اضطرارا وعندما يغيب أبي أو يغلق أذنيه كانت أمي تضطر للخروج إلى الشارع والتلويح لسائق سيارة أجرة عابر وقد تزيد الشمس معاناتها لو تأخر ذاك العابر. كانت تخفي عن أهلها وأقاربها ما تفعله فلم تكن الأسرة المحافظة تقبل منها أن تفعل ذلك أبدا. استغرب الأبناء وسأل أحدهم لماذا لا تقود سيارتها بنفسها؟! أجاب أحمد إجابة بدت غير مقنعة لوعيهم فقال: لأن النظام لم يكن يسمح لها بذلك! جانب آخر من المشقة التي تعيشها وهي صراعها مع المعاملات الرسمية.. رأت أم أحمد ولدها يحكيها لأبنائه بصيغة الماضي ويحدثهم عن كائنات خرافية أحدها (المعرّف) وهو شخص يحدد هوية المرأة التي لا هوية لها بدونه! هل تصدقون أن بنك العاصمة يرفض أن تُعرًّف المرأة أمها أو أختها فمن تُعرًّف لا تُعرِّف أبدا، والمعرف صورة للفحولة الكاملة والكامنة في الرجولة! كانت أم أحمد تسرح بخيالهما المشترك وهي تنظر لملامح أحمد الراكض في الغرفة وتسمع بعين عقلها ولدها ينهي حوار التناقضات الذي يؤرقها.. ويسأل أبناءه أين سنسهر هذا المساء؟ ويتسابق الأبناء لاختيار المكان الأجمل لهم ويقطع خياراتهم المتعددة قائلا: لا أنسى ذلك اليوم الذي سأل فيه السائق أمي قائلا: (يا مدام أين يذهب السائقون في الليل والإجازة؟)، ولا أنسى رد أمي الساخر على السؤال بسؤال : وأين نذهب نحن يا (عليم)؟! لمح أحمد الدهشة فأراد أن يمسحها من وجوه أطفاله فقال: لم يكن لدينا أي مجال للترفيه من التي لديكم اليوم؛ فهناك من كان يصرّ على تحريم (السينما) ولو كان ممن يشد الرحال إليها؛ وهناك من يرفض الاحتفالات البريئة إلا لو كانت خالية من الفن والثقافة ومقتصرة على مسابقات وفعاليات لا ترتقي بالعقل! وهناك من كان يحارب المسرح وغيره يحارب معارض الكتب وهناك من كان يحذر الناس من القراءة لأنها إثم! كانت الطرق مسدودة أمام انطلاق الناس فأصبحوا مع وجود مواقع التواصل يتعرفون على أفكار بعض أكثر وتضيق المسافات ويتصارعون أكثر لأنهم ببساطة لا يجدون متنفسا أكثر من الشوارع التي تتوزع عليها المطبات وبقايا الحفر المردومة بصلف، أو الحوارات المشحونة ضد الآخر حتى إن التقارب مع الآخر كان كارثيا أحيانا. من لا ينطلق يختنق ويحتقن يا أولادي ويصاب بالازدواجية والتناقض! هل تصدقون أن كثيرا من جيلنا كانوا ينتظرون مناسباتنا الوطنية ليهربوا خارج الوطن للاحتفال بها؟! وهل تصدقون أن الاحتفال بمناسبات الوطن كان يثير غضب فئة ترى كل شكل من أشكال الحياة محرما في الدنيا علينا فلا تتورع عن أن تلاحق المحتفلين حتى لو أردتهم صرعى أو قد تلغي الاحتفال لو استطاعت؟ عشت يا أبنائي في زمن كان من يعمل بإخلاص ويقدم الأفكار الجيدة للفكر والتنمية يتهم ويهاجم.. هيا يا أحباب وصلنا للمسرح فاحمدوا الله أنكم لم تدركوا ذلك الزمان الغريب المتناقض!