من هذا المقال أردت أن أتذكر فقط أن أتذكر، منذ سنوات تم رفع شعار سعودة الوظائف، ومضى وزراء وزارة العمل تباعا وهم عاجزون عن تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع، فيما لايزال الشباب (ذكورا وإناثا) مقذوفين خارج سوق العمل كون الإجراءات المتبعة لتوظيفهم لم تستطع إحداث أثر فاعل في هذا الجانب. ومضت كل الإشارات التي شخصت الداء غير مأسوف عليها ومنها التقرير الرسمي الذي كشف عن تورط جهات حكومية في نشوء 41 مشكلة أضرت بسوق العمل في المملكة، وأسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في اتساع دائرة البطالة بين صفوف السعوديين، بسبب ارتكاز الاقتصاد السعودي على ثلاث مدن فقط، وآلية الأنظمة المتبعة في تلك الجهات، أو نتيجة ما أسمته بمعاملة موظفين حكوميين لنظرائهم في القطاع الخاص بـ«طريقة غير لائقة». وأثناء نشر ذلك التقرير قلت إنه سوف يموت كما ماتت قبله عشرات المحفزات للقضاء على البطالة وإسعاف شبابنا الباحثين عن حياة كريمة، فقد ألفنا إقامة المنتديات والمهرجانات التي تنتهي بتوصيات عملية رائعة على المستوى الكتابي والطموح للوصول إلى الأهداف المحركة للأمام. ألفنا هذا، ومعه ألفنا موات تلك التوصيات على أرض الواقع وعدم خروجها من الأدراج، مما يبقي الحال على ما هو عليه، ولو أن التوصيات المبثوثة من هنا وهناك تحولت إلى مشاريع واقعية لما ظللنا نلوك مشاكلنا على مستويات متعددة. ولأننا نعيش عصرا يمثل المال فيه دور الدم الذي يجب أن يصل إلى كل نقطة من نقاط جسد المجتمع ليظل هذا المجتمع حيا نشطا، تصبح أية توصية مالية هي (روشتة) علاج يجب عدم إهمالها. ولنتذكر التوصيات التي خرجت من منتدى جدة التجاري الأول الذي نظمته غرفة جدة، فهي من التوصيات التي ماتت قبل أن تصل إلى أرض الواقع وكان متوقعا لها ذلك الموات في ظل تباطؤ الهمة، فهي مثلا توصيات مضى عليها زمن ولم تتحرك من موقعها الكتابي، فقد كانت تطالب بالتركيز على زيادة حجم الأموال الحكومية لتمويل المشاريع والشركات التجارية وتطوير الإدارة المالية وزيادة رأسمال الصناديق الحكومية لتمويل المشاريع الحكومية والخاصة مع دعم أعمال الصناديق المتخصصة في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتخفيف شروط التمويل الخاص بها ومنح تراخيص إضافية للمصارف الأجنبية للعمل في المملكة، ورغم كون هذه المطالب مطالب تجذب القطاع الحكومي جذبا لمساعدة القطاع الخاص، هي عملية مقلوبة، حيث كان من المفترض أن يكون القطاع الخاص هو الداعم للقطاع الحكومي وليس العكس، إلا إذا كان الأمر متعلقا بالانتهاء من القوانين والضوابط التي من شأنها تسهيل العملية الاستثمارية فهي بهذا تكون مطالب مشروعة يجب أن تنقاد لها المرافق الحكومية على وجه السرعة وهذا ما لم يحدث. وثمة توصيتان كان من الضروري العمل عليهما بالسرعة القصوى، وهي مطالبة البنوك بأهمية التركيز على تقديم القروض لمشاريع التنمية والبنية التحتية؛ عوضا عن القروض لأغراض الاستيراد والاستهلاك الخاصة بالمواطنين، فهذه التوصية مثلا هي بالأهمية بمكان، حيث ظلت البنوك جهات ربحية لا تقوم بدورها الاجتماعي أو الوطني إنما تفرغت لاستنزاف الأفراد في قروض طويلة ليس لها عائد على البلد إن لم تكن معطلة للحياة على مستوى الفرد وانعكاسات هذا على الحياة الاستثمارية، وعند وجود توجيه أو إلزام لهذه البنوك بتقديم قروض للمشاريع ذات الجدوى الاستثمارية سيكون هناك معنى لتغافلنا عن أرباحها المهولة مقابل إيجاد مشاريع صغيرة ومتوسطة تخدم البلد وتمتص أعدادا من القوى البشرية العاطلة عن العمل.. أما أن تظل هذه البنوك تمارس دورها (المنشاري طالعة واكلة نازلة واكلة) فهذا هو التسيب بعينه. ونقطة أخرى مهمة في تلك التوصيات -أهملت أيضا- تتمثل في دعم جهود الجمعية الوطنية لحماية المستهلك والاهتمام بالطبقة الوسطى والعمل على عقد منتدى خاص بالطبقة الوسطى وحمايتها باعتبارها أساسا ومصدر قوة لقاعدة الاقتصاد. فهذه التوصية هي توصية ملحة في ظل تآكل الطبقة الوسطى، ويعرف المنظرون ماذا يعني تآكل هذه الطبقة، وتحول المجتمع إلى طبقتين، فهذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب ألا نصل إليه. فقط كنت أتذكر نقاطا لو تم تحقيقها لكان الشباب بعيدين عن الضياع أو البحث عن وظيفة طال أمدها.