تابعت كغيري تلك الحلقة الاستثنائية التي قدمها الزميل داوود الشريان في برنامجه التلفزيوني «الثامنة» يوم الاثنين الماضي، وقد صدمتُ كما صُدم غيري من الحالة التي وصل إليها التعليم الأهلي في بلادنا. والحقيقة أن الشريان لا يُلام على ما تفوه به في تلك الحلقة، فقد كان الأمر فوق طاقة الاحتمال، ولولا أن الموضوع تمت مناقشته في قناة تلفزيونية محترمة، وكان مدعماً بالوثائق وشهود العيان لما صدقه أحد، إذ بدا وكأنه حلقة في مسلسل كوميدي ساخر، أو فصل في مسرحية هزلية، ولكنه -للأسف- حقيقة، فما الذي يجري؟! الموضوع يتعلق بكليات أهلية للطب يملكها ويشرف عليها شخص اسمه حسين، الذي يقول السجل إنه تم استبعاده من البلد لارتكابه بعض التجاوزات، ثم عاد مرة أخرى، وحصل على الجنسية، وافتتح كثيراً من المشاريع التجارية، ومن ضمنها هذه الكليات، والتي قامت وزارة التعليم العالي مشكورة بإغلاقها بالشمع الأحمر، إذ تبين أنها لم تكن أكثر من مشروع تجاري، ولكن المؤلم أن ذلك تم بعد ثلاث سنوات، وبعد أن تورط مجموعة من أبنائنا وبناتنا، من الذين دفعوا رسوماً طائلة تجاوزت السبعين ألف ريال سنوياً! في الوقت الذي كانت ذات الكلية المغشوشة تأخذ نصف هذا المبلغ من الطلاب غير السعوديين! فماذا بعد؟! بعض التجاوزات التي تحدث عنها الشريان شملت بعض أساتذة هذه الكليات، والذين اتضح أن أحدهم كان نجاراً، والآخر كان حداداً، وإن كنا سنتفهم وجود أساتذة بهذه التخصصات، حيث إنه من الممكن الاستعانة بالنجار لصناعة توابيت للمرضى الذين سيراجعون هذه الكليات مستقبلاً، ونتفهم وجود الحداد للاستعانة بخدماته في فك الجبس وخلافه عن أطراف المرضى، إلا أننا لا نفهم وجود «مبلط» في وظيفة أستاذ طب، إلا إذا كانت الكليات تنوي إنشاء مبان جديدة، وتم إدراج المبلط كأستاذ مؤقتاً ريثما يبدأ مشروع البناء، فهل كان هذا هو كل شيء؟ الحقيقة هي أن ما ذكر في الحلقة لا يمثل إلا نزراً يسيراً من التجاوزات، ومع ذلك فقد اشتمل على ما لا يصدقه عقل، وهنا نتساءل عن دور إدارة التعليم الأهلي بوزارة التعليم العالي، والتي لم تغلق هذه الكليات إلا بعد عدة سنوات، وبعد أن خسر مجموعة من المواطنين أموالهم، إذ إن منهم من باع مدخراته ليتسنى له دفع الرسوم الدراسية، إذ يخيل إلي أنه كان بالإمكان اكتشاف الخلل مبكراً، وقبل أن تقع الفأس بالرأس، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً على أي حال. ويظل السؤال الكبير الذي يهمنا كمواطنين، وهو المتعلق بصاحب هذا المشروع، أي حسين، لأننا نود أن نعرف من هو هذا الرجل، وكيف استطاع العودة إلى البلاد بعد أن طُرد منها، ومن سهل له إنشاء كل تلك المشاريع التجارية، والتي لم تكن كليات الطب إلا جزءاً يسيراً منها. ثم هناك الأهم، وهو المتعلق بالرسوم الدراسية التي دفعها أبناؤنا المتضررون، إذ إن حسين لا ينوي إعادتها، بل ويتحدى الجميع، فهل سيسعدنا أحد بالإجابة عن هذه التساؤلات، وإنا لمنتظرون! * نقلا عن "الجزيرة" السعودية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.