... إلى الشارع دُر. عبارة تختصر المشهد اللبناني الذي يتّجه الى ان يصبح مأزوماً من «رأسه حتى أخمص قدميْه» على خلفية المأزق الحكومي «المتفرّع» من الشغور في رئاسة الجمهورية والذي استحضر معركة قديمة - جديدة عنوانها «حقوق المسيحيين» ويخوضها زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون من باب إصراره على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش «الآن وليس غداً» وإلا «60 سنة على الرئاسة والدولة وقيادة الجيش». وعاشت بيروت امس «تحت تأثير» اعلان عون «إدارة محركات» الشارع الذي دعاه الى «الاستنفار» لتحرك الاسبوع الطالع في ملاقاة قيام رئيس الحكومة تمام سلام بالدعوة الى جلسة جديدة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، لاستكمال مناقشة بنود جدول الأعمال المتضمّن شؤوناً مالية وإدارية عالقة، وعلى قاعدة تكرار تجربة الجلسة السابقة التي كسر فيها قرار عون، مدعوماً من «حزب الله»، برفض بحث اي بند قبل تعيين روكز. واذا كان حسْم عون خيار العودة الى الشارع شكّل رفعاً لسقف التصعيد في اطار محاولة لمنْع سلام من المضي في قرار القفز فوق اعتراض زعيم «التيار الحر» وهو ما تزامن مع جعْل طرح الفيديرالية «سيفاً مصلتاً» على المشهد السياسي، فان رئيس الحكومة الذي «أضيء الأحمر عنده» بدا وكأنه يخوض من جهته معركة الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة بوجه الاجتهادات في تفسير حدودها في ظل الشغور الرئاسي، والتي وصلت الى حد اعتبار عون انه يحقّ له رفْض جدول أعمال الجلسات الحكومية برمّته وتعطيل كل قرارات مجلس الوزراء بحجة آلية التوافق داخل «الحكومة الرئاسية». ورغم ان سلام حرص عبر أوساطه على اعتبار ان قرار دعم الصادرات اللبنانية ونقلها عبر البحر الذي أقر الخميس رغم اعتراض عون وحلفائه، كما الدعوة الى جلسة الخميس المقبل، ليست في سياق التحدي، داعياً الى مقاربة ملف تعيين قائد الجيش على طريقة ما حصل حين تم اقتراح وزير الداخلية نهاد المشنوق تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي إذ تمّت تنحية هذا الموضوع جانباً حين لم يحظَ بالتوافق اللازم لإقراره، فان العماد عون بدا كمَن «يحرق المراكب» في هذا الملف ذاهباً في إصراره على موقفه حتى النهاية، غير آبهٍ بكل المناخ العربي والدولي الذي عبّر عن دعم كبير لسلام ولجهوده في معاودة جلسات مجلس الوزراء. وفيما رفع عون شعار «المواجهة من داخل الحكومة وخارجها»، بمعنى ان وزراءه لن يستقيلوا، واضعاً المعركة في سياق الدفاع عن الحضور والفعالية والشراكة وصلاحيات رئيس الجمهورية، فان شكل التحركات التي سيقوم بها في الشارع لم يُكشف عنه وإن كان البعض تحدث عن ان حركة الاحتجاجات قد تحاكي التجمّع الذي نظمه (حزب الله) في العام 2006، بعد الانسحاب من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في ساحة الشهداء، لكن المكان قد يختلف، فيما اشارت تقارير اخرى الى امكان اعلان الاعتصام المفتوح في موقع حسّاس ومؤثر (قد يكون محيط السرايا الحكومية مثلاً) او قد يجري حصار مرفأ ومطار بيروت بحشود من العونيين. وترصد دوائر سياسية الاتصالات التي ستشهدها الساعات المقبلة في محاولة لاجتراح مخارج من الأزمة التي باتت تتخذ طابعاً طائفياً نافراً وسط معلومات عن ان «حزب الله» لا يريد بلوغ الوضع حافة «الانفجار» وانه محرج من بلوغ الأمور مرحلة الصِدام بين زعيم «التيار الحر» وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري، الذي لفت اعلان نائبه هاني قبيسي امس في غمزٍ من قناة عون «اننا لا نستطيع ان ندمر لبنان لأجل وظيفة ولا نستطيع ان نضرب استقرار لبنان لأجل وظيفة او موقع سياسي، هذا أمر يهدد الكيان ويهدد الدولة، وبالتالي نستدعي فيه الفوضى، هذه الفوضى التي يسعى المتآمرون لتعميمها». علماً ان نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم كان أطلق اشارة لافتة بتشديده على «اننا حريصون على استمرار الحكومة ولكن عليها ان تتحمل مسؤولياتها بجدارة وهذا ما سنعمل عليه مع المخلصين، وفي المقابل ندعو الى عدم تشبيك المؤسسات بما يؤدي الى تعطيلها جميعا كما حصل في تعطيل مجلس النواب بحجة عدم انتخاب رئيس الجمهورية». ووسط هذا المناخ، وفيما عقد عون امس سلسلة اجتماعات لتنسيق الخطوات الميدانية للاسبوع المقبل، قالت مصادر في 8 مارس لـ «الراي» ان تصعيد زعيم «التيار الحر» في الشارع سيكون محدوداً، اذ لن يكون في وسعه إطالة أمد ايّ حركة احتجاجية، وخصوصاً انه سيكون من الصعب على حلفائه تغطية اي ممارسات من نوع قطع طريق المطار او سواها، اضافة الى انه سيكون مضطراً للحفاظ على الطابع الحضاري لتحركه وتجنّب إظهار جمهوره كمجموعة من قطّاع الطرق. في المقابل، رأت اوساط مناهِضة لخيارات العماد عون، ان الأخير يمارس سياسة الهروب الى الامام في سياسة هي اقرب الى المغامرة التي تذكّر بما كان أقدم عليه في العام 1989 و 1990 حين أطلق حربين عبثيتين (واحدة ضد سورية والثانية ضد «القوات اللبنانية») لم تؤديا إلا الى تدفيع المسيحيين في لبنان أثماناً باهظة. وكان عون اعلن في عشاء لـ «التيار» ان «ما حصل بالحكومة وما قد يحدث الأسبوع المقبل، يستوجب منا فعل قوة ونحن مدعوون للنزول إلى الشارع، وندعو اللبنانيين إلى النزول معنا، وبصورة خاصة المسيحيين. ونحن مدعوون إما للسكوت والاضمحلال، وإما للتهجير بالسيف»، مشيراً إلى «أننا تحملنا كل التعب حتى تألفت حكومة ظننا أنها ستعيد الطمأنينة، ولكن تبين أنها ستبشرنا بالخراب، وخصوصاً للمسيحيين المعرضين لخطر الوجود، لأن ثعالب السياسة اللبنانية تضع أيديها على كل حقوقهم ومواقعهم»، ومشدداً على «أننا اليوم لسنا أضعف من 13 اكتوبر 1990 (تاريخ العملية العسكرية التي أخرجته من قصر بعبدا)، ولا أحد يمكن أن يخرجنا من البلد. الأسبوع المقبل سيكون خيرا وسيكون هناك تحول كبير بالسياسة اللبنانية، ومن يمد يده علينا سنمدّ يدنا عليه».