أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن تفجيرات المساجد ودور العبادة، والاعتداء على المصلين، تعتبر «جرائم بشعة»، وهي غريبة على نسيج مجتمعاتنا الخليجية. وشدد القطان على ضرورة ترسيخ مفهوم التعايش السلمي بين المسلمين، متسائلاً: «أي دين هذا الذي يدفع بإنسان أن يفجر نفسه في مسجد يؤمه مصلون لصلاة الجمعة؟. وفي خطبته يوم أمس الجمعة (3 يوليو/ تموز 2015)، والتي تحدث فيها عن حرمة الدماء وجرائم الإرهاب، أكد على أن «المسلمين اليوم في أشد الحاجة إلى ترسيخ مفهوم التعايش السلمي فيما بينهم في أوطانهم، حتى مع اختلاف مشاربهم، وتنوع مذاهبهم وطوائفهم، وتعدد رؤاهم، وإن هذا التعايش السلمي والاحترام المتبادل داخل إطار الوطن الواحد، وتحت مظلة الإسلام الواسعة كفيل بأن يوحّد صفهم، ويعلي كلمتهم، ويجمع شملهم، ويقوي بلادهم، ويوفر الأمن والاستقرار لهم، ويحول دون ضياع الدين والدنيا، وتنتظم معايشهم، ويغيظ عدوهم المشترك، ويسد منافذ الخبثاء والمتطرفين والمتربصين ومسالكهم في التفريق بينهم». واعتبر أن «الجرائم المنكرة التي وقعت في دولة الكويت، ومن قبلها في المملكة العربية السعودية، وما وقع في بعض الدول العربية، في الأسابيع الماضية، من تفجيرات للمساجد ودور العبادة، واعتداء على المصلين، وقتل للآمنين المطمئنين، جرائم بشعة ومنكرة وغريبة على نسيج مجتمعاتنا الخليجية، التي يتعايش فيها المسلمون من السنة والشيعة وغيرهم في سلام وأمان منذ عصور طويلة وأزمنة مديدة، ويحرص كل طرف منهم على الوئام مع شركاء الوطن، فضلاً عما يجمع بينهم من روابط الدم والقرابة، وحُسن الجوار». وأضاف «إن المرء ليتعجب وتتملكه الحيرة والحزن والأسف: أي دين هذا الذي يدفع بإنسان، أن يفجر نفسه في مسجد يؤمه مصلون لصلاة الجمعة، وفي شهر رمضان المبارك؟! كيف يهجم مسلم على أناس غافلين متعبدين؟! فيعمل فيهم القتل، والتفجير والترويع، وسفك الدماء ونشر الفتن، إن هذا والله إجرام وكبيرة من أعظم كبائر الذنوب». وحذر القطان ممن وصفهم بـ «الأغرار الضالين». ورأى أن «القتل العشوائي، والتفجير والتدمير والتخريب، فضلاً عن حرمته، وأنه من كبائر الذنوب، فإنه عمل خبيث خسيس، يشعل أوار الفتنة بين الآمنين، ويقطع حبال الود وحُسن الجوار بين المسلمين، ويؤدي بهم إلى اقتتال طائفي ونزاع مذهبي، تغرق فيه البلاد في مستنقع الفتن، وتتضرر منه البلاد والعباد». وأردف قائلاً: «إننا على ثقة ويقين بأن المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وكل دول مجلس التعاون الخليجي بقادتها وحكوماتها وشعوبها، ستبقى بإذن الله محمية وعصية على مثل هذه الغايات والمؤامرات الخبيثة، وستظل شعوبها على مختلف مكوناتها على وعي وإدراك مما يدبر ويحاك ضدها، ولن تزيدها مثل هذه الأحداث والمصائب، إلا قوة ومنعة وصلابة وتكاتفاً ووحدة وطنية». وذكر أن «الأحداث المفزعة والغريبة تتوالى على بلاد العالم الإسلامي، بلداً تلو الآخر، تنشر فيها الفتن، وتحدث الاضطرابات، وتخلف قتلى وجرحى، وتصنع إحنًاً ومحنًاً، وتفرّق الصفوف، وتنشئ الفوضى». وأشار إلى أن «يد الغدر تضرب بقوة في بلاد المسلمين، ولا يفتأ الماكرون والحاقدون عن بثّ المكائد، وزرع الأحقاد، ونشر سموم الفتن، غير آبهين بدين ولا حرمة ولا دماء؛ وهناك أيادٍ مجرمة تسعى في خفاء، وتضرب في عمياء، وتنضح حقداً ومكراً، وتخلّف وراءها أهوالاً، وتدع العقلاء في حيرة، وتذهب بصفاء البلاد وهدوئها، وتعكر صفوها، وتبدّد شمل أهلها». وقال: «إن مكر أعداء الإسلام والمسلمين يمتلئ لؤمًاً وحقداً، لا يفتر عن زعزعة الأمن في المجتمعات الآمنة الهادئة، التي لم تكتوِ بنار الفتن بعدُ، فيلجأ في خبث لبث سمومه وأحقاده، يريد أن تعم الفوضى، ويقوّض الأمن، وتضيع مقدرات المسلمين، ويذهب استقرارهم، لتصبح الأمة لقمة سائغة للطامعين والمتربصين... وهذه آثار مكر الأعداء ظاهرة في قلب الأمة الإسلامية في بعض بلاد المسلمين، والمتابع لوسائل الإعلام يقف على أهوال ومصائب كبيرة، وما لا ينشره الإعلام كثير، والله من ورائهم محيط»، مبيناً أن «المسلمين اليوم تعمل فيهم آلة هدم جبارة، وآلة تعمل على تمزيق صفّهم، وتشتيت شملهم، وإضعاف كلمتهم، تعمل بأسلوب ماكر خادع يستغل الجهلاء والسذج بدعاوى منحرفة، إلى مستنقع الفتنة والكيد، وهي مزالق متى استسلم لها شعب أهلكته، وما دخلت أي أمة إلا أهلكتها». هذا، وتحدث القطان عن حرمة الدم، مؤكداً أنه «إذا أقبلت الفتن، ضعفت الديانة، وقل التفكر والتعقل، وكثر إعجاب المرء بنفسه ورأيه، واتهامه غيره، ومن ثم سرعة إقدامه وجرأته على ما يريد وعلى ما يجتهد فيه، وإن الفتنة إذا اشتعلت فإن الأحلام والعقول تطيش وتغيب، وتتحكم العواطف، ويكثر الانسياق وراء التخرصات والظنون». وقال: «حينما نرى من يتساهل في دماء المسلمين وغيرهم وحرماتهم، وسفك دمائهم، كما هو الحال في الأحداث الراهنة، وما يقع في بعض بلاد المسلمين، من تفجير المساجد ودور العبادة الآمنة، وقتل الأبرياء من المصلين، وكذا ما نراه من استرخاص الأرواح والقتل والتفجير الجماعي والتكفير والتدمير والاعتداء على الآمنين، أقول بقدر ما نرى هذا التساهل في الدماء واسترخاصها في عدد من بلاد المسلمين، نلتفت إلى شريعتنا الغراء، وديننا العظيم، فننظر في أمر الدماء ومكانتها، إلا ونجد نصوصاً كثيرة محكمة قطعية في عصمة الدم المسلم وتعظيمه». وأوضح أن «الشريعة الغراء، وضعت حدوداً وأحكاماً في حفظ الدماء، بل في سائر الأحكام وأصول الأخلاق، والشريعة الإسلامية تتشوف إلى حفظ الدماء وعصمتها، بينما يتشوف آخرون من المتطرفين الذين لا حظ لهم في الفقه والعلم، يتطلعون لانتهاكها وسفكها، وطلب الانتقام بأي وسيلة أو طريقة». وفصّل القطان عن حدود حفظ الدماء في الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أنها «جعلت حفظ النفس، إحدى الضروريات الخمس، التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، والمحافظة عليها، وهذه الضرورات الخمس هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض». وتابع «مما يدل على عناية الشريعة الإسلامية في أمر الدماء وحفظها، أن الدماء هي أول الحقوق التي يقضى فيها يوم القيامة، ومما يدل على تعظيم الدماء وحرمتها، أن قتل المسلمين وقتالهم من موجبات النار، وهو من أنواع الكفر العملي». ولفت إلى أن «القاتل تُوعد بوعيد عظيم لم يرد مثله في جميع أصحاب الكبائر، وأن الكعبة على حرمتها وعظمتها تهون عند حرمة دم المرء المسلم»، مبيناً أن «ذهاب الدنيا كلها وزوالها، أهون عند الله من قتل المسلم، الذي يشهد أن لا إله إلا الله، وأن حرمة المسلم قطعية يقينية لا تزول إلا بيقين شرعي موجب، والدليل على ذلك قوله (ص) (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وأَنِّي رسُولُ اللهِ، إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ)، موضحا أنه «لا يجوز التخوض في دم الإنسان بشبهة أو تأويل فاسد، أو نظر عاجل، أو فتوى متسرعة، أو اجتهاد خاطئ، فإن حرمة الدم قطعية يقينية لا يجوز أن تزال وأن تنقض هذه القاعدة العظيمة بلا سبب موجب». وواصل «مما يدل على حرمة دم المسلم وتعظيم الإسلام لذلك، أن محك الإسلام الحقيقي للمرء، هو في سلامة الناس وأمنهم منه، في أعراضهم وأنفسهم ودمائهم، وإن تحريم الدماء مع الأموال والأعراض، هو أهم شيء أكّد عليه المصطفى (ص) في خطاب محكمات الدين الذي أعلنه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث قال: (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ فاشْهَدْ)». وأضاف «حرمة دم المسلم، تستوجب تعذيب أهل الأرض جميعاً في النار، في حالة لو اتفقوا وتآمروا على قتل مسلم واحد، فإنهم يستوجبون العذاب بالنار بذلك الفعل، وأن المسلم في فسحة من دينه حتى يعتدي على مسلم بالقتل». ونبه إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، إلى أن «الشريعة الإسلامية حرمت أيضاً قتل النفس المعاهدة والمستأمنة من غير المسلمين الذي له عهد أو أمان مع المسلمين أو جاء إلى بلاد المسلمين بأمر منهم، وأذن منهم، فهذا له الحرمة حتى يرجع إلى بلده».