رفض مهرّب المخدرات توني مونتانا تفجير عبوة ناسفة لاغتيال شخصية سياسية، وتراجع عن تفجير سيارة بعد مرور امرأة برفقة طفلتيها. هذا الموقف الإنساني، كان مشهداً في الفيلم الأميركي الشهير «الوجه ذو الندبة»، «Scarface»، وجسّد فيه الممثل الأميركي الشهير «آل باتشينو» شخصية اللاجئ الكوبي توني مونتانا الذي احترف الجريمة، والقتل وتهريب الكوكايين، لكنه امتنع عن القتل في لحظة إنسانية، بسبب خوفه من قتل امرأة وأطفال، وتمسَّكَ بما تبقى من آدميته. الشاب الصغير، فهد القباع الذي أصبح انتحارياً، فَعَلَ العكس، على رغم أنه مُنِح فرصة كافية للتفكير في مصيره، ومصير الأبرياء الذين قتلهم، لكنه لم يتراجع كما فعل تاجر المخدرات. فجّر نفسه، وقتل مصلّين ساجدين في نهار رمضان، وتصرّف بوحشية وهو لم يتربَّ بين عصابات المافيا، وتجار المخدرات، بل نشأ في أسرة معتدلة، وكانت طفولته مثل كل الأطفال الأسوياء، وعلى رغم كل ذلك لم يتردّد لحظة في تفجير مسجد الصادق، وقتل أبرياء. بين إنسانية مونتانا وقسوة القباع تحار عقولنا، وتعجز عن تفسير ما يجري. والسؤال الذي حيّرنا طويلاً هو، مَنْ نزع مشاعر الإنسانية من وجدان هذا الشاب وأقرانه، وعلى هذا النحو الذي يعدّ سابقة في التوحش والقسوة؟ وأي فكرٍ هذا الذي يجعل شاباً في العشرينات من عمره، يتحول إلى إرهابي وقاتل محترف؟ الانتقام. الانتقام هو الذي حرّك هذا الشاب المغرّر به. التحريض الذي يسمعه فهد القباع منذ صغره ضد مواطنيه الشّيعة منعه من مجرّد التفكير في التراجع عن تنفيذ جريمته، وجعله يتصرف على طريقة المنتقِم الأعمى. لا يمكن أن تجنِّد إنساناً، وتجعله أداة طيّعة في مشروعك، إذا لم يكن مستعداً لذلك. لهذا نجح قادة التنظيمات الإرهابية في تحويل شبابنا إلى حطب في هذه الحرب القذرة، لأنهم وجدوا فيهم أرضاً خصبة لتنفيذ أجندتهم المذهبية. فهؤلاء الشباب يسمعون كلاماً يكفِّر مواطنيهم الشيعة على مدى سنوات طفولتهم وشبابهم، لذلك لم يفكر فهد القباع على طريقة توني مونتانا. كانت القضية لديه محسومة، ونحن السبب. تغافلنا لسنوات عن أولئك الذين هدموا جدار المواطَنَة في وجدان شبابنا، وقتلوا فيهم فكرة التعايش، فضلاً عن الإنسانية. لا شك في أن الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية في دول الخليج تستحق التقدير، لكنها لن تستطيع أن تمنع هذا الخطر من دون جهود معنوية كبيرة، وأولها وقف التحريض. الأكيد أننا بحاجة إلى ترك التكاذب. نتحدث في المناسبات بطريقة مثالية، ونرفع شعارات المواطنة، وفي بعض الدروس والبيوت والمنتديات نلقِّن أطفالنا الكراهية. لا بد أن نواجه فيروس التحريض لكي ننجو من موت إنسانيتنا.