اختلف العديد من علماء المسلمين في مفهوم " الخوارج" فمنهم من عرّف هذا المفهوم من منظور سياسي واعتبره "الخروج على الإمام المتفق على إمامته الشرعية خروجاً في أي زمن كان"، قال الشهرستاني: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان". ومنهم من يطلق مصطلح الخوارج على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والبعض الآخر من علماء المسلمين يعرّف هذا المصطلح من منظور ديني ويقول عنهم: "الذين يكفرون بالمعاصي ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم". وبناءً على تلك التعريفات السابقة لمفهوم الخوارج، استنتج العلماء ثلاثة معايير تم الاستناد إليها في إطلاق صفة الخوارج على التنظيم الإرهابي المجرم "داعش" في محاولة للدفاع عن الإسلام والرد على أباطيلهم وتصحيح الأفكار المنحرفة الموجودة لدى بعض الشباب المغرر بهم، ومن أبرز تلك المعايير هي "الخروج على ولي الأمر، والغلو في الدين وتكفير الآخر". وبالطبع فإنّ تلك المعايير للأسف يستخدمها التنظيم الإرهابي "داعش" في الرد أيضاً على خصومه والذين يعتبرهم من الخوارج! فهم - في نظر التنظيم - خرجوا على الخليفة المزعوم للدولة الإسلامية، فإذا كان البعض على سبيل المثال يقول بأنّ "إعلان النفير للجهاد محصور بالإمام وحده كما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، قال تعالى: "وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر مِنهم لعلمه الذين يستنبطونه مِنهم". فإذا كانت أخبار الحرب لا يجوز التحدث بها ولا إفشاؤها إلا من قبل أولي الأمر" وبالتالي فإنّ إعلان الجهاد يكون من باب أولى من اختصاص الإمام وحده، وعليه فإن خليفة داعش الإرهابي بالنسبة لأتباعه هو الإمام وولي الأمر وبالتالي هو من يعلن الجهاد في سبيل الله! أما فيما يتعلق بالتكفير فيقول رجال الدين في تفسير معنى قول الله عزّ وجل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة هو: "تحكيم شرع الله في كل شيء"، ومن قال "إنّ حكم الطاغوت أفضل، فهو بهذا مرتد، وكفره كفر أكبر، وظلم أكبر، وفسق أكبر، أما إذا حكم بغير ما أنزل الله، لهوى في نفسه، على المحكوم، أو لمصلحة المحكوم له، أو لرشوة أخذها من المحكوم له، هذا كله يكون من باب الكفر الأصغر". فالتشريع القانوني، حسب نظرة بعض الفقهاء ورجال الدين، هو "حق خالص لله وحده لا شريك له، من نازعه في شيء منه، فهو مشرك"، وبالتالي فإن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه وتطبيقه معاندة لشريعة الله و"مكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله". ومن مظاهر "الكفر الأكبر" المخرج من الملة: إحلال القانون الوضعي بديلاً عن أحكام الشريعة، وإنشاء محاكم غير شرعية، والرجوع إلى القوانين الدولية والإعجاب بها أو مزج الشريعة بمثل هذه القوانين"، وللتخفيف من حدة التكفير في تفسير المعنى، قال البعض: "بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضا واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة، وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره"!. وعلى هذا الأساس، يقوم التنظيم المجرم (داعش) بخداع الشباب، والقول بأن الحكومات العربية والإسلامية كافرة لأنها نبذت شريعة الله وطبقت القوانين الغربية كبديل عنها، ومن هذا المنطلق يجب قتال تلك الحكومات وقتال من يعاونها ويعمل فيها، وذلك طاعةً للخليفة الذي جاء ليطبق الشريعة الإسلامية على أرض الإسلام. أما بالنسبة للمعيار الثالث (الغلو في الدين)، فإن الخطاب الديني السائد اعتاد على نعت الآخرين والمخالفين له بصفة المنافقين وفي بعض الأحيان المرتدين، كما نلاحظ من حين إلى آخر قيام البعض بوضع قائمة طويلة بأسماء الليبراليين والعلمانيين وكأنهم "مجرمون" مطلوبون للعدالة، والبعض الآخر يتهمهم بالعمالة للغرب والخيانة والإلحاد، وليس هذا وحسب، بل ظهر كثير من الفقهاء والمثقفين المجددين، الذين أثاروا إشكالات وعلامات الاستفهام على القراءة التقليدية للدين، أو بعبارة أخرى نقد الخطاب الديني السائد، وعلى هذا الأساس اتهموا بالكفر والزندقة، وهناك من يطالب بمحاكمتهم وتطبيق شرع الله عليهم المتمثل في حد الردة عن الإسلام. ومن هذا المنطلق، فإن (داعش) تستغل مسألة قتل المرتدين والمنافقين في تصفية خصومها فهي تنظر إلى المجتمعات الإسلامية على أنها مجتمعات منافقة أو مرتدة ابتعدت عن دين الإسلام، فهي إما علمانية أو ليبرالية، أو على سبيل المثال عند قيامهم بإعدام بعض العلماء وأئمة المساجد فهي تنطلق في تبرير جرائمها من نفس تلك المقاييس التي يقيس بها بعض الدعاة ورجال الدين في الحكم على الآخرين المخالفين لهم. ومما سبق يتضح، عجز الخطاب الديني السائد عن مواجهة أفكار التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها، وما يراه الناس اليوم من قتل وتدمير وتطرف، يبعدهم عن الدين خطوات ومسافات بعيدة، فالمعايير الفكرية تكاد تكون واحدة.. فأين المفر؟ فالناس اليوم تتحدث من معايير إنسانية وجودية، فهل يتحول الخطاب الديني إلى هذه المعايير الفطرية أم سيبقى على تلك المعايير التاريخية والتي أصبحت لعبة بأيدي القتلة والمجرمين؟