روائي صديق يرفض مجرد فكرة تحويل أحد أعماله إلى أي فن من الفنون. قال لي إن كاتبا مسرحيا وجد في روايته الأولى نصا يلائم المسرح، لكن الروائي المعني رفض الفكرة. روايته الثالثة، التي دارت نصف أحداثها في بقاع أوروبية، جاءه من يناقش معه فكرة تحويلها إلى فيلم. هل كان العرض جادا؟ سألته فأجاب «لم أنتظر لكي أعرف. رفضت فورا». السبب هو أن الصديق يعتبر أن أي اقتباس للرواية سينال من قيمتها الأدبية. ويقول إنه ما من عمل فني تم اقتباسه عن رواية أو نص مكتوب إلا وكان النص المكتوب أرفع قيمة وأفضل شأنا. حين سألته عن بضعة أفلام تم اقتباسها من نصوص أدبية، من بينها أعمال بريطانية وروسية وإيطالية وأميركية عن مسرحيات ويليام شكسبير، قال إنه قد يستثني هذه الأعمال لأن النص في أصله مسرحي. «ماذا عن روايات جين أوستن أو ارنست همنغواي أو نجيب محفوظ؟». تردد ثم قال «ما زلت أفضل الرواية المكتوبة على كل ما يمكن أن ينتج عنها من اقتباسات». الأمور، كل الأمور خصوصا في أيامنا هذه، ليست بالقطع. لا يوجد ما يمكن تعميمه على نحو أو آخر: هناك مسرحيات وأفلام كانت أفضل من النص الأدبية الذي استمدت منه، وهناك أفلام ومسرحيات كانت أسوأ من النص. المسألة ليست حتمية، والموضوع في نهاية المطاف يعتمد على قدرة ذلك المخرج الذي يقف وراء العمل، ليس خلال التنفيذ فقط، بل خلال قراءة المادة المقتبسة لمعرفة ما إذا كان نقلا صحيحا أو منقوصا. لكن هنا يمكن طرح سؤال آخر: هل من واجب كاتب النص المسرحي أو السينمائي الإصرار على نقل أمين للرواية الأصلية، أو هل يحق له أن يصنع بالنص ما يريد بحجة أنه ينقله إلى وسيط مختلف تماما؟ كل النقاشات التي دارت حول هذا الموضوع انتهت إلى طرح أسئلة أخرى أكثر مما انتهت إلى إجابات. لكن الثابت هو أنه لا أحد يستطيع أن ينقل نصا أدبيا بأمانة مطلقة.. كذلك ليس من حق أحد أن يتلاعب بالنص الأصلي على هواه. ما يجب أن يكون محسوبا بجدارة بضع نقاط جوهرية: • تأمين السبب الذي من أجله سينتقل النص المختلف إلى وسيط جديد، وبذلك لا يمكن تغيير معالم الرواية لدرجة الخروج عن الأحداث والشخصيات إلا بمقدار ما هو إيجاز ضروري. • فهم الرواية ومقاصد كاتبها ثم «الغرف» قدر الإمكان من أحداثها. • معرفة شروط المسرح وشروط السينما لإتمام عملية نقل متحررة من العناصر الأدبية من دون أن يتحرر العمل الجديد من العناصر الفكرية في الوقت ذاته. هناك مسائل كثيرة تطرح في هذا النطاق، والمسألة تتنوع، لكن المؤكد أن نقل عمل مكتوب كرواية لا يناقض هموم الكاتب ولا ينقص من قيمة الرواية، بل يمكن أن يعمم الغاية المتوخاة في زمن قل فيه القراء.