بعد الهجومين الإرهابيين الداميين يوم "الجمعة الأسود" الفائت في الكويت وتونس يطرح السؤال مجدّدا: أيّ مستقبل لمنطقة الشرق الأوسط وسط تهديد التنظيمات الإرهابية وأشدّها خطورة تنظيم "داعش" الذي تبنّى هذه الهجومات الإرهابية الدامية في أكثر من بلد؟ وما هي المبادرة التي يمكن أن تتخذها الدول العربية وفي مقدّمتها دول مجلس التعاون الخليجي لصدّ هذا العدوان ومنع ما تروم إليه هذه التنظيمات من زعزعة لكيانات الدول الشرعية بغية إشاعة الفوضى والدمار والقتل؟ في قراءة تنطلق من التفجيرين الإرهابيين الأخيرين في تونس والكويت، يقول المتخصص في الشؤون الإسلامية الدكتور رضوان السيّد ل"الرياض" بأنّ " ثمّة حالة من الغضب الذي سادت العالمين العربي والإسلامي إبّان الغزو الأميركي للعراق وقد انفجرت على شكل تنظيمات إرهابيّة هي في حقيقتها شبكات تعمل خارج ميادين القتال التقليديّة. لذا عندما يقدم أحدهم على القيام بعمل إرهابي في الكويت أو اليمن أو تونس أو سواها من البلدان، فمن غير الضروري أن يكون قد تلقى أوامر مباشرة من التنظيم الرئيسي، ولو نسب الأمر إلى هذا التنظيم. فهذه الشبكات غير خاضعة مباشرة للتنظيمات، وهنا خطورتها؛ لأنّها لو كانت مرتبطة حقيقة بالتنظيمات المذكورة لكان التفاوض معها متاحا، هذه حالات وليست تنظيمات وهنا يكمن خطرها". ويحذّر الدكتور رضوان السيّد من أنّ " هذه الشبكات تخرّب الدّول والأوطان العربيّة من جهة، وتسيء ثانيا إلى العلاقات العربيّة في العالم، وتسوّد وجه العرب". يضيف: "هذه الظاهرة التي نتعرّض لها هي شديدة الهول: فإذا سئل أي مواطن لبناني اليوم ممّ يخاف، يجيب تلقائيا: "داعش"... لأنه يتوقع أن يقوم هذا التنظيم الإرهابي بأي عمل ضدّ وطنه وفي أي توقيت". وعن سبب استهداف هذه التنظيمات الإرهابية للأمن والاستقرار في الدول الخليجية يقول الدكتور السيّد: "لأنّ ثمة صراع على من يمثّل الإسلام السنّي". و"لذلك نقول بأنّ "داعش" هي خصم للسنّة قبل سواهم". ويضيف: "هذه حالة غضب ولّدت حالة فوضى دخلها الكثير من النصابين والقتلة والمجرمين بحجج إيديولوجيّة لم تعد لها علاقة بالإيديولوجيات". استثمار "داعش" ويلفت السيد إلى سبب وجيه لبقاء "داعش" حاليا: "إنّ الجهات الإقليمية والدّولية تصارع "داعش" وأمثاله من التنظيمات الإرهابية من جهة، وتستثمره من جهة ثانية، إذا تأملنا المشهد القائم اليوم في 5 دول عربية هي العراق وسورية واليمن ولبنان وليبيا نرى أن لإيران ذراعها أقله في 4 منها، وإذا سئلت إيران لم تتدخّل؟ تقول نحن نقاتل الإرهاب. هذا يعني هنالك من يستغل هذا الإرهاب لمصالحه الخاصّة. أمّا الإرهاب فهو ظاهرة أصيلة ناتجة عن حالة من الغضب الذي تفاقم وخصوصا بعد الغزو الأميركي للعراق، فلم يعد هنالك من زمام إلا وانفلت". وهل هجوم هذه الجماعات سيؤدي إلى زعزعة كيانات في منطقة الشرق الأوسط؟ يقول الدكتور السيد: "ليس من مشروعات مستقبلية لهذه التنظيمات، حتّى من تسمّي ذاتها "الدولة الإسلاميّة" ليس لها مشروع، هي سلطة تشبه سلطة بشار الأسد، ولا يمكن أن تستمرّ وسط الضرب الأميركي والتحالف الدولي والعربي والخليجي. لذا فإن هذه الدويلات والتنظيمات ستزول. ولكن الأماكن التي غزتها، تعرضّت للتخريب وقد أشاعت فيها الفوضى، فكيف يمكن إعادة تنظيمها خلال 4 أو 5 أعوام؟ من الصعب جدّا، فسورية لم يخرّبها نظام "داعش" بل خرّبها نظام بشّار الأسد، فكيف تمكن إعادة بنائها وثمّة الملايين من المشردين ومن الصعب جدّا أن يعودوا إلى منازلهم؟ وماذا عن العراق وقد هجّرت "داعش" 3 ملايين نسمة خلال عام ونصف العام؟ لدينا عشرات المشكلات الناجمة من هذا الخراب، فضلا عن أن حالة الغضب هذه لم تنته بعد، وبالتالي سوف تسهم في تلطيخ وجه العرب في العالم أجمع، ليس لأنها ستنجح في إقامة دول إستبدادية أو سيئة، وهي لن تنجح... بل لصعوبة إعادة البناء الاجتماعي الذي قد يتطلّب أكثر من 10 سنوات. حتى إذا خمد هذا الاضطراب فكيف سيعاد بناء المجتمع والسلطات والتلاحم بين الناس فيعودون لتبادل الزراعة والصناعة والتجارة، هذه نواح مهمّة تخرّبت قبل أن يتخرب العمران". ويقول الدكتور رضوان السيد بأنّه ليس متشائما بإمكانية إنهاء هذه الظاهرة من الخراب والتشريد، مكررا السؤال: كيف سيعاد البناء؟ وما هي تكاليفه الاجتماعية والعمرانية؟ ثمّ من ستكون الدول الدافعة في اتجاه العمران؟ فهل ستبقى الدول الخليجية وحيدة أم ستنضمّ إليها دول أخرى تسهم في المهمّة النهضوية وتدفع في اتجاه إعادة البناء في سبيل السلم والسلامة والممانعة لامتداد الخراب؟ متى تنضمّ إليها مصر والجزائر؟ متى يتحرك المغرب؟ نحن ما نزال في عمق ظاهرة التخريب والخراب، لكن حتّى عندما نخرج منها فنحن نحتاج إلى قوى دافعة، تساند مجلس التعاون الخليجي الذي صمد لغاية اليوم بالرغم من الحوادث المتفرقة في السعودية واليمن والكويت وسيصمد إن شاء الله. ليس من أمل قريب في سوريّة والعراق، ولكن عندنا مصر والمغرب والجزائر ولدينا النموذج الذي يمكن أن يطرحه نجاح الدولة التونسية الجديدة، هذه الأمور كلها واعدة".