صُدِمت لدى قراءتي تقريراً أصدرته مؤخراً وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد أند بورز، أشارت فيه إلى أن العقارات السكنية في دبي من المرجح أن تشهد هبوطاً في الأسعار تتراوح نسبته بين 10 - 20 % خلال عام 2015، وذلك استنادا إلى توقّعات الوكالة بحدوث تراجع ضئيل في الطلب من جانب غير المقيمين لا سيما روسيا ودول الخليج العربية الأخرى. كما اعتبر التقرير أنه من شأن الهبوط في مؤشر بورصة دبي أن يؤثّر على الأرجح في آراء المستثمرين. في الواقع، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على المستثمرين هو هذا التقرير المستند إلى تخمينات غير موثوقة وتكهّنات لا أساس لها من الصحة. المفارقة هي أننا نقرأ في التقرير: تلعب معنويات المستثمرين العامة أهمية أساسية بالنسبة إلى القطاع العقاري في دبي لأن غالبية كبرى من المشترين هم مستثمرون. لا جدال في ذلك. لكن مثل هذه السلبية الصادرة عن وكالة تصنيف على غرار ستاندرد أند بورز يمكن أن تؤثر سلباً على ثقة المستثمرين وأن تتحوّل إلى نبوءة ذاتية التحقق، إلا إذا تصدّى لها أشخاص منخرطون بقوة في القطاع العقاري، ويفهمون جيداً النزعات والاتجاهات، بدلاً من القابعين خلف المكاتب الذين لا يملكون أية خبرة ميدانية، والذين يعملون على نشر الذعر ويسعون بكل قواهم إلى تبرير وجودهم. وبصورة متوقّعة، تنشر وسائل الإعلام التي تركب الموجة على عجالة، هذا الخبر المضخّم الذي لا يستند إلى أي أساس. كنت أتوقّع من وكالة تصنيف موثوقة مثل ستاندرد أند بورز أن تتصرّف بمسؤولية أكبر. لكنها بدلاً من ذلك عادت بالذاكرة من جديد إلى الركود الاقتصادي الذي شهده القطاع العقاري عام 2008، والذي لم يكن من صنع الإمارات، بل نتج عن فقدان الثقة عالمياً بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي تسبّبت به الممارسات المتفلّتة من المبادئ، لا بل الإجرامية، التي قامت بها بعض المصارف والمؤسسات المالية العالمية. وقد فوجئت الإمارات بتطور الأحداث وتسارعها، لكنها تطبّق منذ ذلك الوقت سياسات لحماية القطاع العقاري من الصدمات الخارجية، وهو ما تقرّ به ستاندرد أند بورز. فضلاً عن ذلك، كانت دبي من المدن القليلة التي تعافت بسرعة كبيرة بعد الركود الاقتصادي الذي شهده العالم عام 2008. إن الطلب على العقارات في دبي لا يزال جيداً، لأنه بحسب تجربتي، ما إن يتم الإعلان عن مشروع جديد حتى يُباع في معظم الأحيان في الساعات الأولى من إطلاقه. علاوةً على ذلك، إذا كان المشروع في موقع مرغوب وكان من تنفيذ متعهد ذائع الصيت، تكون إيرادات المبيع عادةً على قدر التوقعات، لا بل تفوقها في معظم الأحيان. إن التقويم الذي وضعته وكالة موديز أكثر واقعية من تقويم منافستها ستاندرد أند بورز. فقد أعلن جهاز الاستثمار لدى موديز أن الإنفاق الحكومي على البنى التحتية في دبي وتشجيع الحكومة للاستثمارات الخارجية سيدعمان قطاع العقارات على مدى السنوات الخمس المقبلة. وقد أصدرت البوابة الإلكترونية المتخصصة في العقارات Bayut.com تقريراً أكثر توازناً إلى حد كبير حول السوق العقارية في الإمارات في الأسبوع الأخير من يونيو. ونقل التقرير عن دائرة الأراضي والأملاك في دبي أن زيادة الطلب خلال العامَين المنصرمين أدّت إلى ارتفاع شديد في الأسعار، لكن كما يحصل عادةً في الأسواق التي يحفّزها الطلب، تُصحّح الأسعار نفسها في مراحل الاستقرار اللاحقة. وأضاف التقرير نقلاً عن الدائرة: ثانياً، بدأت الأنظمة التي فرضتها حكومة دبي العام الماضي للحد من المضاربات وتفادي التضخم في الأسواق، تأتي بثمارها. لقد أصبحت التأثيرات الناجمة عن تحديد سقف للرهون والزيادة في رسوم التسجيل، واضحة للعيان، وتدفع بالسوق نحو الاستقرار، فيما تساعدها على خسارة بعض الوزن الزائد الذي اكتسبته سابقاً. ومن العوامل الأخرى التي ذكرتها دائرة الأراضي والأملاك بطء النمو العالمي بحسب توقعات صندوق النقد الدولي؛ إلا أن الدائرة تسلّط الضوء على أن مراكز القوة العالمية شهدت تراجعاً في القيمة، على غرار نيويورك التي خسرت 4.4 % من القيمة، وسنغافورة التي خسرت 12.6 % بين مارس 2014 ومارس 2015، بالمقارنة مع 1.1 % فقط في دبي. يعني ما تقدّم أن الاستثمار في الإمارات لا يزال رهاناً أفضل بالمقارنة مع عدد كبير من المدن الكبرى الأكثر ثراء في العالم. ويعتبر الدليل العقاري العالمي، في ميزةٍ إضافية نضعها برسم المتملّكين-المستأجرين المحتملين، أن عائدات الإيجارات في دبي هي من بين أعلى العوائد دخلاً في العالم، مع نسبة 7.21 % بالمقارنة مع 2.72 إلى 3.20 % في لندن، و2.83 % في سنغافورة. وإذا كانت السوق تتجه فعلاً نحو الاستقرار مع الوقت، فهذا أمرٌ إيجابي. وسيؤدّي ذلك إلى تعزيز ثقة المستثمرين بدلاً من تقويضها، لأنهم يحتاطون كثيراً من الأسواق التي تشهد تضخماً. وإذا كانت الأسعار في بعض القطاعات قد تراجعت بعد بلوغها مستويات قياسية، فهذا يبشّر بفرص استثمارية رائعة، ويُتيح فرصة أمام الراغبين في تملُّك منازل لإيجاد مساكن بأسعار معقولة. من الأسباب الأخرى التي قدّمتها وكالة ستاندرد أند بورز لتبرير نظرتها القاتمة إلى القطاع العقاري في دبي توقُّعها بأن يستمر الهبوط في أسعار النفط حتى نهاية عام 2016. إ نه تحليل سيئ فعلاً، فالحقيقة هي أن الاقتصاد في دبي متنوّع ولا يستند إلى النفط، وكما أشارت بوابة Bayut.com عن حق: لم يترك الهبوط المستمر في الأسعار تأثيراً يُذكَر على الإنفاق الحكومي الذي لم يعد يعتمد حصراً على الأموال النفطية. ويُتوقَّع أن يسجّل اقتصاد دبي نمواً بنسبة 5 % تقريباً هذا العام، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، ما يُظهر أن التقلبات في أسعار النفط ليست عاملاً مهماً في هذا السياق. أحد التوقعات الأكثر تفاؤلاً لعام 2015 نجدها في تقرير العقارات السكنية الفاخرة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا الذي وضعته سوذبي للعقارات الدولية بالاشتراك مع ويلث إكس. فقد أشار الباحثون إلى قدرة دبي على الظهور في موقع المركز الأسرع نمواً بالنسبة إلى أصحاب الثروات الطائلة الذين يستقطبهم نمط الحياة العالمي في الإمارة والعقارات الفخمة ذات الأسعار التنافسية، واعتبروا أن سوق العقارات في دبي هي من الأفضل أداء في العالم. ما زلت أذكر كيف شمتت وسائل الإعلام الأجنبية بالمتاعب التي واجهتها دبي عام 2008، وتوقّعتْ سيناريوهات مرعبة اعتبرت فيها أن دبي ستنهار وتتحول إلى رمال صحراوية. لكن ذلك لم يحدث، ويستطيع الجميع أن يروا الدليل بأم أعينهم. فهذه المدينة الرائعة لم تتعافَ وحسب، بل نهضت على قدمَيها بجرأة وأعادت ابتكار نفسها ووقفت شامخة من جديد، وقد أصبح اقتصادها أكثر قوة وتنوّعاً من أي وقت مضى، كما أنها تقدّم فرصاً للمستثمرين لا تتوافر في أي مكان آخر.