اعتاد أعداء الإسلام تزويـر حقائـق التاريخ بحبك الروايات والقصص التي تناسب رغباتهم وأحقادهم، فصوروا الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم، على اختلاف مع بعض. وحقيقة الأمر هي أن الخلفاء كان يربط بينهم الاحترام المتبادل والود والمحبة والإخاء والتعاون لخدمة كلمة الله، فكانوا يدا واحدة وهم القواعد التي قام عليها بنيان دولة الإسلام بعد وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. وقد تميزت علاقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والإمام علي بن أبي طالب ببعض بخصوصية أثمرت في تعاونهما المتميز والصافي النقي، فقد كان عمر يستشير علي في كل صغيرة وكبيرة، وفي سائر القضايا والمشكلات: في المجالات القضائية والمالية والإدارية، وفي كل شؤون الدولة، خاصة في الأمور المهمة التي لم يتخذ عمر قرارا فيها إلا بعد استشارة علي، المستشار الأول والعضو الأبـرز في الشورى العمرية، وكما قال المفكر الشيعي العربي العراقي، حسن العلوي: «كان علي لا ينطق إلا بلسان البررة الأطهار». وطيلة حياة عمر كان علي ناصحا له وخائفا عليه، مع ذلك يأبى مزورو التاريخ إلا أن يروجوا الروايات والقصص التي تجزىء التاريخ المشترك بين عمر وعلي فيما اتخذاه من قرارات وفيما تحملاه معا من مسؤوليات لإدارة دولة الإسلام النامية وعلاقاتها بمن حولها من الأمم. (اعتمِد كثيرا في هذا المقال على كتاب: (عمـر والتشيـع، ثنائية المشاركة والقطيعة، لمؤلفه حسن العلوي). وعمر لم يخفِ فضل وفقة وحكمة علي، الذي عمل قاضيا في عهده، وعمل كأحد وزرائه، ولكنه الأقرب، ولعمر قوله: «علي أقضانا». وبعد كل مشورة يبديها علي كان عمر يقول: «ولا أقامني الله في أرض ليس فيها أبو الحسن» . وعندما اقترح علي أن يبدأ التاريخ من هجـرة الرسول، قال عمـر: «لازلت موفقا يا أبا الحسن». وكما يقول العلوي، فإنه كلما اقترح علي رأيا، اتجه عمر إلى تنفيذه عن قناعة، وأيضا يقول: «وكان الإمام علي الشريك الأول، وليس المستشار الأول في صياغة مشروع الدولة الناهضة وإدارتها ..» ، فحين سافر عمر إلى بيت المقدس استخلف عليا في كل شؤون الخلافة. وخلاف ما يـشيعه أعداء الإسلام، لم يعترض علي على خلافة عمـر، لا قولا ولا فعلا بل كما يقول العلوي، إنه «لم ينقل أحد المؤرخين أن الإمام عليا وقف معارضا لخلافة عمر أو بدا منه ما يسيء إلى صِلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس وكان يمنح عمر النصيحة ويزوده برأيه كلما أشكل عليه أمر من الأمور أو طـرأ حادث جديد لم يسبق له نظير من قبل.. وكان عمر يحترم قول علي في كافة الأمور ويقف عند رأيه حتى في غير التشريع، ويقول عمر: «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن» ، ثم يقول العلوي: «لم ينقل المؤرخون عن الإمام علي أنه تهاوش الكلام مع عمر أو تساجل معه كما يتساجل المعارضون» . ويشير العلوي إلى نازلة نزلت بعمر فأشار لمن معه للاستعانة بمن هو خبير بمثل هذه الأمور، فقال الحضور: كأنك أردت علي بن أبي طالب، فقال عمـر: «وأنى يعدل بي عنه، وهل طفحت حرة بمثله؟، قالوا فلو دعوته يا أمير المؤمنين، فقال هيهات إن هناك شمخا من هاشم وأثـرة من علم ولحمة رسول الله، إن عليا يؤتى ولا يأتي فامضوا بنا فمضوا نحوه». يقول العلوي: «توشجت العلاقات بين عمر والإمام علي بعد وفاة أبي بكر، واستمـرت في التلاحم والتفاهم إلى الحد الذي يدفعنا لجعل ولاية عمر بن الخطاب حكما مشتركا مع الإمام علي»، ويؤكد العلوي «أن المعروض التاريخي الأمين يتحدث عن ثنائية مشاركة بين علي وعمر..» . ثم يضيف: إن «من الحقائق التي يجب أن يفهمها هؤلاء المغفلون: أن عمـر وعليا كانا من حزب واحد واتجاه متقارب.. ولا يستطيـع أي مؤرخ أن ينكر أن أصحاب علي أيدوا عمر في خلافته كما أن أصحاب عمر أيدوا عليا في خلافته». وعلي وعمر وأبو بكر، كما يشير العلوي، هم من «حزب الثورة المحمدية» ، وعلي، حسب قول العلوي، قدم التضحيات لينتشر الإسلام في شرق الأرض وغربها. صحبة علي وعمر في العمل سويا، وبانسجام منقطع النظير، أساسها الرغبة والإخلاص لدى كل منهما لإعلاء كلمة الله ثم تبادلهما المحبة والإعجاب، كيف لا وهما عملاقان تأكد لهما أنهما مكملان لبعض في الطريـق لخدمة أمة الإسلام. فقد كان عمر يحب عليا ويمدحه، وعلي يحب عمر ويمدحه في حياته ومماته، وكانت علاقاتهما ببعض، إضافة إلى ما سبق ذكره، علاقة صداقة وعلاقة ود ومحبة وتقدير وثقة متبادلة وعلاقة صحبة في خدمة الإسلام، يضاف لذلك، علاقة المصاهرة بينهما فأم كلثوم بنت علي هي زوجة عمر وأنجبت له زيد ورقية، وذات مرة، كما يقول العلوي، نزع عمر رداءه فبسطه ليجلس عليه الإمام علي تقديرا له. كما يذكر العلوي قصة خصم شكا عليا لعمر، وبعد أن جلس علي قال عمر: ساوِ خصمك يا أبا الحسن! فتغير وجه علي، وبعد أن قضى عمر في الأمر قال: أغضبت يا أبا الحسن لأني سويت بينك وبين خصمك؟ فقال علي: بل لأنك لم تسوِ بيني وبين الخصم، أكرمتني فناديتني يا أبا الحسن (بكنيتي) ولم تكن خصمي، فقبل عمر رأس علي وقال: «لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن». وبعد أن توفي عمر، دخل علي عليه فأثنى عليه ووقف قائلا: «يرحمك الله أبا حفص، ما أحد أحب إلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أن التقي بصحبته منك»، فصلى على عمر.. والله أعلم.