فيصل جلول هل تعرفون ما هي قهوة أوباما؟ إنها سوداء وضعيفة أثارت هذه التغريدة العنصرية على تويتر عاصفة من الانتقادات التي لم تتوقف بعد رغم تراجع جودي موزيس عنها ونشر تغريدة اعتذارية مضادة تقول أعترف بأنني تلقيت هذه النكتة الغبية من أحدهم وما كان علي أن أعيد نشرها. أنا أحب كل الناس بغض النظر عن عرقهم ودينهم. أكبر الظن أن التغريدة ليست عفوية لا من حيث مصدرها ولا توقيتها. فهي موقعة باسم زوجة الوزير سيلفان شالوم أحد أركان حزب الليكود والمكلف بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي من الصعب أن تكون زوجته جاهلة لموقع زوجها، كما من الصعب ألا تكون على دراية بالعلاقات السيئة جداً بين حزب زوجها ورئيس الولايات المتحدة. والراجح أن التغريدة هي من أثر أجواء التحريض على أوباما المنتشرة في أوساط الليكود. وأما التوقيت فيتناسب مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى المنطقة وفي جعبته بضعة أفكار حول استئناف عملية السلام تحت سقف مشروع الدولتين واستئناف المفاوضات بينإسرائيل والسلطة الفلسطينية تحت مراقبة تكتل عربي أوروبي والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الأمر الذي أثار حفيظة نتنياهو فرد على الأفكار الفرنسية قبل استقبال فابيوس بالقول إنه يرفضها وإنه لا يقبل الإذعان للإملاءات الدولية التي تريد فرض حدود على إسرائيل لا يمكن الدفاع عنها والتي لا تريد أن ترى ما يدور على الجانب الفلسطيني، ويقصد صعود تيارات المقاومة في غزة. لا يحتاج نتنياهو إلى معرفة تفاصيل المبادرة الفرنسية من فم فابيوس فهو يعرف بوسائط عديدة تفاصيلها ويعرف أن موافقة السلطة الفلسطينية عليها، ناهيك عن الأردن ومصر تعني أنها تلبي رغبة من أوقف المفاوضات لأنه وصل إلى طريق مسدود مع إسرائيل التي حصلت على كل ما تريد برضى محمود عباس ولم تنفذ تعهداتها بحل الدولتين، متذرعة بمطالب جديدة ما كانت مدرجة على جدول التفاوض وبخاصة مطلب الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية. في هذه الأجواء ترددت تغريدة قهوة أوباما والسؤال لماذا أوباما؟ والجواب ليس صعباً، ذلك أن الرئيس الأمريكي يريد تتويج ولايتيه باتفاق تاريخي حول النزاع العربي الإسرائيلي كما أنهى النزاع مع كوبا، لكن إصرار نتنياهو على رفض حل الدولتين وعلى معاندة واشنطن أطاح بالرغبة الأمريكية وأشاع مناخاً سلبياً غير مسبوق بين الرئيسين. ما من شك في أن نتنياهو يعرف أن فابيوس ما كان بوسعه أن يسوق لمبادرة من هذا النوع لولا مباركة البيت الأبيض، ذلك أن فرنسا غير قادرة منفردة على توفير كتلة ضاغطة من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وأعضاء مجلس الأمن، الأمر الذي أثار ريبة رئيس الوزراء الصهيوني، إذ لم يسبق أن طرحت فكرة الرقابة والضغط على المفاوضات بكتلة قوية لا منازع لها كتلك التي يطرحها وزير الخارجية الفرنسي. لكن هل تشكل المبادرة مخرجاً جدياً للطرف الفلسطيني الذي يرفض العودة للتفاوض بلا تزمين المفاوضات ورعايتها دولياً؟ وهل يتعارض حقا مع المصلحة الإسرائيلية؟ الجواب عن السؤال ينطلق من مبررات فابيوس لعودة المفاوضات بقوله إن الجمود في عملية السلام من شأنه ان يفتح الباب واسعاً أمام العنف وأن يؤدي إلى التدهور والحرب بين الطرفين، ما يعني أن الوزير الفرنسي مهتم بمنع الحرب عبر العودة إلى التفاوض، وبالتالي إشاعة بعض الأمل بحل الدولتين مجدداً لدى الفلسطينيين، وإن تم ذلك يضعف تقبل الحرب أو التصعيد من الجهة الفلسطينية، قد يبدو هذا الحساب صحيحاً من دون أن نهمل احتمال أنه قد يخدم إسرائيل بمنحها وقتاً للتسويف ولانتظار تطورات ما يدور في المنطقة والحال التي ستستقر عليها بعد الربيع العربي. رغم ذلك يخشى نتنياهو نشوء آلية ضاغطة يصعب الفكاك منها، خصوصاً إذا ما لوحت القوى المندرجة فيها بالعقوبات على الكيان أو بملاحقة زعمائه بتهمة ارتكاب جرائم الحرب، كما جرى مؤخراً لوزير الحرب الأسبق شاؤول موفاز في لندن. في هذه الحال من الصعب أن يفلت نتنياهو من الضغط وسيكون عليه مواجهة سيناريو شبيه بذلك الذي أدى إلى انهيار نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا، ولعل سعيه المتكرر إلى استدراج تدخل مجلس الشيوخ ضد البيت الأبيض وتقييد حركته في قضية الدولتين قد أدى حتى الآن الغرض، لكن الإجماع إن تحقق كما يلوح من كلام فابيوس فهو يعني أن الضغط على البيت الأبيض لا يكفي لقطع الطريق على حل الدولتين، ولعل هذا ما يفسر رد فعل نتنياهو العنيف حول الإملاءات الدولية. ينطوي ما سبق على اعتقاد فرنسي بأن تطورات الشرق الأوسط الأخيرة ليست في مصلحة إسرائيل والغرب وقد تخرج عن السيطرة، وبالتالي لا بد من استدراكها باتفاق ينهي القضية الفسلطينية ويؤسس لمفترق جديد في مصير المنطقة، في حين يرى نتنياهو أن انهيار الدول العربية المحيطة بكيانه من شأنه أن يجعله الأقوى في المنطقة، وأن يعيده إلى حلم الصهاينة الشهير من الفرات إلى النيل، ما يعني أنه ليس مجبراً على التفاوض وإنما على إملاء شروطه على الآخرين. إن مطالبة أحد الوزراء الصهاينة بمصادقة المجتمع الدولي على ضم إسرائيل للجولان المحتل خوفاً من داعش يشي بالعودة إلى مشروع إسرائيل الكبرى وإلى حرب المئة عام، الأمر الذي لا يتفق مع مصالح الغربيين وحلفائهم في العالم العربي. من هذا الباب يترتب النظر إلى مبادرة لوران فابيوس ومن هذا الباب يجب انتظار الرد الغربي على فشلها، فإن بادر الغرب إلى معاقبة إسرائيل نكون أمام سيرورة جديدة قد تطيح بالليكود وبمن يقف وراءه، وإن ابتلع المعنيون الفشل بالصمت فهذا يعني أن على الفلسطينيين والعرب مرة أخرى ألا يثقوا بأحد وأن يستعيدوا أراضيهم بقوة سواعدهم.