لا أظن أن حجم النهضة الاقتصادية في الصين يخفى على أحد من القراء الكرام، لكن من الضروري تسليط المزيد من الضوء عليها. فإذا ما نظرنا إلى مدينة شنغهاي، وهي المدينة التي نشأت كنموذج حديث غربي من بعد حروب الأفيون، حيث كانت احدى المدن التي أجبرت الصين على فتحها كموانئ للتجارة الدولية مع دول الغرب، واستقطعت الدول الغربية بعض احيائها كمستعمرات لمواطنيها. نجد أن الضفة الغربية من نهر الهوانجبو أو ما يعرف بمنطقة بوند بنيت على الطراز الأوروبي، وتشبه الى حد كبير ضفاف نهر السين في باريس، بينما كانت الضفة الشرقية عبارة عن منطقة زراعية خالية من العمران. وفي عام 1991م بدأت الحكومة الصينية ببناء برج اللؤلؤة الشهير ليكون برج التلفزيون ورمزا لشنغهاي المدينة النموذج للاقتصاد الصيني الحديث. أما اليوم فمنطقة بودونج (والتي تعني شرق النهر) هي المركز المالي للصين ومليئة بناطحات السحاب المبنية على أحدث طراز. وفي عام 2010م تخطى اقتصاد الصين اقتصاد اليابان ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، إذا ما قيس بحجم الناتج القومي الإجمالي. وفي عام 2014م تمت أكبر عملية اكتتاب في التاريخ، وذلك عند طرح أسهم شركة علي بابا الصينية الشهيرة. ما زالت بعض مظاهر الانغلاق عن العالم الخارجي واضحة في الصين، فعلى سبيل المثال لا يمكن الدخول في الإنترنت على موقع جوجل أو يوتيوب! لكن هذا وفر فرصة ليبرز عملاق التقنية الصيني بايدو كبديل محلي. والذي تشكل مع شركة لينوفو وهواوي أهم شركات التقنية الصينية، والتي تنافس على الريادة العالمية في مجالاتها. في عام 1978م كان هناك أقل من مليون طالب جامعي في الصين بسبب إغلاق الثورة الثقافية للجامعات وتشجيع الثقافة الريفية بدلاً منها. أما اليوم فأصبحت الجامعات الصينية تنافس عالمياً ويدرس فيها حوالي 24 مليون طالب، واشتهر تصنيف شنغهاي العلمي للجامعات. وأعداد الطلاب الصينيين الذين يدرسون في الخارج هي الأعلى عالمياً، فعلى سبيل المثال وصل عدد الطلبة الصينيين في الولايات المتحدة الأمريكية في 2011م إلى 200 ألف طالب! ويدرس الطلاب الصينيون في مراحل التعليم الأساسي ما يقارب 251 يوما دراسيا في السنة، مقارنة بحوالي 180 يوما دراسيا في السنة في كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. وحرص الصينيين على التعليم أمر قديم في ثقافتهم، حيث كانت الفلسفة الكونفوشية تشجع على التعلم، وإن كان التعلم المعني هنا هو التراثي وبالذات الكتب الكونفوشية الأربعة، لكن هذه التعاليم إضافة إلى اختبار الخدمة المدنية كانت تشكل حركة تعليمية مهمة تاريخياً. ومع أن اختبار الخدمة المدنية ألغي منذ حوالي قرن من الزمان، إلا أن البعض يرى أن ما يسمى بجحيم الاختبارات مستمر من خلال اختبار قبول الجامعات الموحد في الصين والمعروف باسم جاوكاو. وازدهار التعليم في الصين لا يقتصر على الجامعات الصينية، بل افتتح عدد من الجامعات الأمريكية فروعاً لها في الصين. ومن أشهرها فرع جامعة نيويورك في شنغهاي والتي افتتحت في عام 2012م ويدرس بها 600 طالب من مختلف الجنسيات، وافتتح مبناها المكون من 15 طابقا ومكتمل التجهيزات في عام 2014م. ومن الجامعات الشهيرة كذلك شراكة جامعة دوك الأمريكية مع جامعة ووهان الصينية في مدينة كونشانDuke Kunshan) University). وهذه النهضة التعليمية أحد أهم أسس نهضة الصين الاقتصادية، وأحد أهم الملامح المشتركة في نهضة دول شرق آسيا.