عندما اقتحم الجنود الفرنسيون شمال مالي في كانون الثاني (يناير) 2013، مطاردين المسلّحين المتحالفين مع «القاعدة»، عاد ذلك بالفائدة على كل الماليين. استعاد الفرنسيون بمساعدة الجيشين التشادي والمالي سريعاً، السيطرة على الأراضي التي استولى المتطرّفون عليها. واعتبرت مهمّتهم التي سميت «عملية سرفال»، نموذجاً نادراً عن نجاح التدخل الغربي ضد مجموعات إرهابية. زار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، تمبكتو وهي مركز قديم للتعليم الإسلامي في شباط (فبراير)، ورحّب به حشد صاخب عانى تسعة شهور من حكم الجهاديين الوحشي، كمنقذ. وأعلن هولاند لاحقاً في العاصمة باماكو، أن زيارة الاحتفال بالنصر هذه «هي أهم يوم في حياته السياسية». بعد عامين، خبا تفاؤل مالي وسط جو قاتم. أبقى الفرنسيون وحدة عسكرية قوامها ألف جندي يتمركزون في مدينة غاو الشمالية. وتتولى القوة عمليات مكافحة الإرهاب في المستعمرة الفرنسية السابقة في غرب أفريقيا، لكنها أخفقت إخفاقاً تاماً في طرد ناشطي «القاعدة». بل إن الجهاديين ما زالوا القوة المقاتلة الأهم في شمال مالي إذا نُحِّي الفرنسيون جانباً. قوة الأمم المتحدة المعروفة باسم «مينوسما»، ليست أكثر فاعلية على رغم حصولها على موازنة تبلغ 629 مليون دولار، أي حوالى ربع موازنة الحكومة المالية. لقد تكبدت 49 قتيلاً و150 جريحاً منذ بدأت أعمالها في نيسان (أبريل) 2013. وامتدت أخيراً الهجمات شبه اليومية على القوة متعدّدة الجنسيات في الشمال لتصل الى باماكو. ورغبة منه في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب الواهنة، دعم رئيس مالي ابراهيم بوبكر كيتا، ميليشيا عرقية تُعرف باسم «غاتيا». تواجه مالي مع هذا الوضع الأمني المتدهور، خطر التحوّل الى دولة فاشلة. إذا حصل ذلك، ستكون العواقب ملموسة في مناطق بعيدة جداً من الحدود. القتال الذي دار في الشمال عام 2012، أسفر عن تهجير 46 ألف مالي الى بوركينا فاسو. وأفادت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن تجدّد القتال في منطقة تمبكتو أجبر 57 ألف شخص على الفرار من منازلهم. ويمكن أن يؤدي القتال الى عشرات آلاف اللاجئين، قد يحاول بعضهم عبور البحر المتوسط الى أوروبا. لا يملك جيش مالي الضعيف قدرة السيطرة على شمال البلاد. لا يستطيع، على سبيل المثال، استعادة صحراء كيدال قليلة السكان قرب الحدود الجزائرية. لكن الجيش المالي يرفض تسليم السيطرة الإدارية الى منافسه الرئيس، تحالف مجموعات المتمرّدين العرب والطوارق المعروف بـ «تنسيقية حركات أزواد». وعلى رغم التحالف الموقت الذي أقامته التنسيقية في 2012 مع «القاعدة في المغرب الإسلامي» للسيطرة على شمال البلاد، وعلى رغم الاشتباه ببعض جماعات التنسيقية في تهريب المخدرات الى الساحل كمحطة بين أميركا اللاتينية وأوروبا، شرّعت المجموعة الدولية ضمناً مطالبة التنسيقية بموطن عرقي، عبر العمل مع العناصر غير الدينية بين الطوارق كحاجز صدّ أمام المتشدّدين الإسلاميين في كيدال. أنشأت قوة «مينوسما» صلات بالتنسيقية على رغم اشمئزار الحكومة المالية، في حين ركزت مفاوضات السلام التي توسّطت الجزائر فيها، على الحصول على توقيع المتمردين على اتفاق سلام. وأثارت فرنسا حنق باماكو أيضاً، برفضها مساعدة الجيش المالي على استعادة كيدال. يفسّر هذا رهان كيتا على «غاتيا»، وهي ميليشيا تضمّ أساساً مقاتلين عرباً وطوارق. ظهرت هذه القوة في العام الماضي، كمنافس عسكري رئيس «لتنسيقية حركات أزواد». وفي نيسان، طردت «غاتيا» التنسيقية من بلدة ميناكا الشمالية، في واحدة من الإنجازات العسكرية التي عادت بالشعبية على «غاتيا» في باماكو. أما الضغط الدولي لضبط هذا الجيش غير النظامي، فيُنظر إليه كتدخل في سيادة مالي. ويرتكب كيتا وأنصاره خطأ هنا. «غاتيا» ليست مخلصاً وطنياً لمالي. ولاء هذه الجماعة الأخير هو لقومية الطوارق، وتهدّد منافستها مع «تنسيقية حركات أزواد» للسيطرة على شمال البلاد، بإضرام قتال على أساس قبلي. ومن المنتظر أن توقّع التنسيقية اتفاق الجزائر الأسبوع الحالي [الماضي]، لكن استمرار دعم مالي لـ «غاتيا» – وهي من بين الموقعين أيضاً – سيفرغ اتفاق السلام من المعنى. وفي حال أخفق هذا الاتفاق، قد تختار التنسيقية العودة الى تحالف عسكري تكتيكي مع «القاعدة». إتمام اتفاق الجزائر حيوي، لكن يتعيّن فرض تنفيذ بنوده. وقبل كل شيء، ينبغي على حكومة مالي ضمان انسحاب الميليشيات كافة، بما فيها «غاتيا»، من مواقعها والبدء بالانخراط في الجيش. وتقع المسؤولية الأولى في ذلك على باماكو. على فرنسا أيضاً، استخدام نفوذها. تقليص عدد الأطراف المتحاربة سيعني ضغطاً على التنسيقية للبقاء ضمن التسوية. جيشٌ مالي موحّد في ظل قيادة الدولة، وحده القادر على ضمان السلام والأمن في البلاد. سجلّ الجهود السابقة لضمّ المتمردين الى الجيش ليس مشجعاً. بيد أن البديل لا يمكن التفكير فيه.