×
محافظة القصيم

بلدي عنيزة يوجه البلدية بتكثيف العمل على سفلتة الأحياء

صورة الخبر

كانت زيارة مفاجئة مباغتة بكل تأكيد، لأنها لو لم تكن كذلك لخضع المكان للترميم، وأنفق المدير على التجميل، واغتسل الجميع لاستقبال رئيس الوزراء ومن معه، كي تكون زيارة ناجحة ويعقبها بيان وزاري يشيد بمستوى الخدمة وجمال المنشأة وانضباط العاملين. لكن ما حدث هو أن رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب باغت «معهد القلب القومي» في حي إمبابة و»معهد تيودور بلهارس» في حي الورّاق، بالزيارة. فكان ما كان من سيل من الإقالات والإعفاءات والتحقيقات، لأن ما رآه رئيس الوزراء هناك من مشاهد يشيب لها الولدان، ثم أصبح على المشاع. وبات مُدوّناً أن شعاع الشمس ومعه ما تيسر من أتربة وعوادم وكل ما يجود به هواء القاهرة الكبرى، يتسلّل من النوافذ المكسورة في غرف العلاج. وتهيم القطط الضالة وأبناؤها وبناتها وما تيسر من حشرات، على وجهها في الأروقة، وهي أمور صارت مصوّرة. «علشان لو جِهْ مايتفاجئش» بين ليلة وضحاها، تحوّل كثير من مشاهد الإهمال والقذارة من تجارب شخصيّة يعاصرها هذا ويحكيها لذاك، إلى صفحات موثقة وجهود منظّمة وصرخات مدويّة وحركات شعبيّة تملئ الفضاء العنكبوتي صخباً وصراخاً ولفتاً لانتباه من يهمّه الأمر. ولأن من يهمه الأمر في المقام الأول والأخير هم المواطنون أنفسهم الذين يعانون الأمرّين من مستوى الخدمة والنظافة والتمريض والمعاملة داخل المستشفيات، لاقت سلسلة من صفحات «فايسبوك» المعنونة «علشان لو جِهْ مايتفاجئش» انتشاراً غير مسبوق بين المصريين. انطلقت الفكرة من صفحة «فايسبوكيّة» لمواطنين شباب اجتمعوا على هدف واحد في ضوء الزيارة المفاجئة هو فضح أوجه التقصير والإهمال، بهدف معاقبة المسؤولين عنها والتيسير على المواطنين. وسرعان ما وجد التوثيق بالصور للمهازل التي تحفل بها المستشفيات العامة، ردود أفعال تعدّت مرحلة التعليقات العنكبوتيّة. وبدلاً من التعليقات الإعلاميّة الموسميّة عن تقصير هنا أو إهمال هناك، تحولت صور التقصير والإهمال إلى مواقع ثابتة ومصادر مستمرة لإعادة استخدام الصور، فلا مجال للإنكار أو التجاهل. تجاهل أهمية وقيمة تلك الجهود العنكبوتية لم يعد وارداً، إذ انتشرت فكرة صفحة «علشان لو جِهْ مايتفاجئش» المتخصّصة في فضح إهمال المستشفيات، إلى صفحات أخرى أخذ أصحابها على عاتقهم مهمة الفضح نفسها، لكن في «تخصّصات» أخرى كالقمامة والتعليم والمرور وغيرها. ومع مرور الساعات، تزايدت أعداد الزوار والمشاركين ومعجبي الصفحات حتى تعدى بعضها حاجز المئة ألف. تدفّق آلاف المشاركين والمعجبين بصفحات توثيق أوجه الإهمال والفساد، لا يعني سوى وجود ملايين المهتمين والمهمومين بما تحمله الصفحات من منغّصات تؤرّق الحياة اليوميّة للمصريين. وأشاد سائق تاكسي ستيني لا يعرف شيئاً عن الإنترنت، بـ»الوِلاد العفاريت» الذين دشّنوا صفحات «علشان لو جِهْ مايتفاجئش»، ما يعني أن ثورة الإنترنت وعصر المعلوماتيّة وفورة شبكات التواصل الاجتماعي، يمكنها أن تكون في خدمة ملايين المواطنين الباحثين عن تحسين الخدمات وتعديل الأوضاع وتحسين سبل الحياة، بعيداً عن أروقة السياسة والثورات وإسقاط الأنظمة واستدخال الدواعش والجماعات الدينية بديلاً للأنظمة السائدة. معرفة الواقع أوّلاً أضاف السائق أنه شخصياً كان يعتقد أن الدور الوحيد الذي يمكن للإنترنت أن تلعبه هو تنظيم صفوف الغاضبين من الراغبين في عمل الثورات وقلب الأنظمة، وذلك في ضوء الأجواء الإعلامية والسياسية التي مرت بها مصر خلال الأعوام الأربعة الماضية. وأضاف أنه طالما اعتبر الإنترنت وسيلة ترفيهية يهدر بها الأطفال والشباب أوقاتهم عن طريق اللعب والدردشة؛ لكن متابعته لتقرير مصوّر في برنامج تلفزيوني عن صفحة «علشان لو جه مايتفاجئش» جعله ينظر إلى الإنترنت نظرة احترام! إذن، هناك احترام كبير تحظى به هذه الصفحات، لا سيما مع متابعة التعليقات والمناقشات التي تدور فيها. ويقترح بعضهم أن يجري حصر المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية والجامعية وتوثيق دواخلها بالترتيب، لعلها تكون نواة لقاعدة بيانات يمكن وضع الحلول على أساسها. واقترح آخرون ألا يكتفي الأطباء بمشاركتهم في عمليات التوثيق المصورة، بل أن يتقدموا بعرض رؤاهم الإصلاحيّة بمعنى طرح حلول عمليّة من واقع خبراتهم وفي ضوء الإمكانات المتاحة. كذلك اعترض آخرون على الأصوات التي بدأت تطالب تلك الصفحات بعمل هاشتاغ «شَيّر وافضحهم»، لأن الغرض من الصفحات ليس الفضيحة بل كشف الواقع بهدف الإصلاح. من يديرون صفحة «علشان لو جه مايتفاجئش»، كتبوا أيضاً: «حصدت الصفحة أكثر من ربع مليون عضو». والجدير بالذكر أن جميع أعضاء الصفحة من أطباء ومواطنين السبب وراء النجاح وليس مؤسسو الصفحة وحدهم. وأضافوا: «ليعلم الجميع أن الهدف من إنشاء الصفحة هو رصد عيوب المنظومات الصحيّة من أجل علاجها والسعي لمحاسبة المسؤولين، وذلك لمصلحة المواطن المصري قبل مطالب الأطباء. وشعرنا نحن شباب الأطباء بأن إلقاء اللوم علينا من دون ذنب، على سوء الخدمات الصحيّة. لا بد أن نعرف واقعنا بصدق، كي نستطيع أن نبني مستقبلنا بحق». ولأن الحقوق كثيراً ما تختلط بالمصالح، فإن بشائر تراشقات وتلويحات باستقطابات تحاول أن تفرض نفسها على الصفحات بين الحين والآخر. فبين محاولات متناثرة لاستغلال صور الإهمال للدعوة إلى إضرابات وعصيانات (بل حبذا لو وصل الأمر إلى إسقاط أنظمة) وأخرى مدافعة عن النظام بغض النظر عن الإهمال، وثالثة ملوّحة بأن أمثال تلك الصفحات ربما تكون إخوانيّة؛ تبقى الفكرة متمتعة بقدر كبير من القبول الشعبي، لا سيما بين الفئات غير المتّصلة بالإنترنت أصلاً، وهنا تكمن روح «ثورة الـ»ويب» لمن لا «ويب» لهم».