هذه النسخة الخطية النفيسة، هي من أفضل ما تحتوي عليه مكتبة المشيخة الإسلامية بكوسوفو من المخطوطات العربية، ومن أحسنها خطاً وضبطاً، ومن أفضلها اتقاناً، وتم نسخها سنة 881 هـ بمكَّة المكرَّمة. مؤلّف الكتاب هو الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو (وقيل ابن عمر) بن مهير الشَّيباني الخَصَّاف الحنفي. روى عن أبيه، وحدَّث عن أبي عاصم النَّبيل، وأبي داود الطيالسي، ومسدَّد، وعلي بن المديني، والفضل بن دكين، وخلق. وكان فاضلاً في الفرائض والحساب، مقدماً عند المهتدي بالله، وصنَّف له كتاباً في الخراج، وله «كتاب الوصايا» و «كتاب أدب القاضي» و «كتاب أحكام الوقف» وكان زاهداً، يأكل من كسب يده. قال شمس الأئمة الحلواني: الخصَّاف رجل كبير في العلم، وهو ممن يصح الاقتداء به. وقد جمع الخصَّاف بين الفقه والحديث، والفقه يوسع مدارك العقل، والحديث يجعل المرء محتاطاً متيقظاً يحرص على الإتيان بأصح الآثار والأخبار، وقد ترجم له حاجي خليفة في كتابه «سُلّم الوصول إلى طبقات الفحول» بتحقيقنا ترجمة متوسطة (1/189) وعنها نقلنا ما دوّناه في التعريف به. يبدأ المخطوط بفهرس مفصَّل لموضوعاته، استغرق خمس صفحات من صفحات المخطوط، ويتلوها صفحة عنوان الكتاب وعليها تملّكات عدة، آخرها سنة 1061هـ، وقد وقع المخطوط بيد البعض من أهل العلم، فأثبتوا في هوامشه حواش على جانب كبير من الأهمية، تتصل أحياناً بتصحيح عبارة، وأحياناً بإثبات فروق قليلة تتعلق بمعارضة المخطوط على نسخة خطية أخرى من الكتاب وأُثْبِتَ فوقها حرف (ظ). ويبدأ الكتاب في صفحته الأولى بعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم، [و] صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم) وبعدها عنوان كبير كتب بالجمرة هو: (ما روي في صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم). واستغرق الكلام على صدقات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدة صفحات من المخطوط. ثم تلاه عنوان كبير كتب بالحمرة أيضاً كباقي العناوين في الكتاب هو: (ما روي في صدقة أبي بكر رضي الله عنه) وتحته كلام مختصر. ثم (ما روي في صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وتحت كلام أطول بكثير. ثم (ما روي في صدقة عثمان بن عفّان رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة زيد بن ثابت رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها) ثم (ما روي في صدقة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) ثم (ما روي في صدقة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها) ثم (ما روي في صدقة صفية ابنة حُيي زوج النبي رضي الله عنها) ، ثم (ما روي في صدقة سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة خالد بن الوليد رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة أبي أروى الدوسي رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة جابر بن عبد الله رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة سعد بن عبادة رضي الله عنه) ثم (ما روي في صدقة عقبة بن عامر رضي الله عنه) ثم (ما روي في الجملة من صدقات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). ثم (ما روي في صدقة التابعين ومن بعدهم). ثم لم يترك المؤلف أمراً له صلة بشؤون الوقف وشروطه وما يتصل به إلا وأورده فيه، على مدى مئة وثلاثة وخمسين ورقة، وثلاث مئة وستة صفحات يتألف منها الكتاب، وأورد بعض ما له صلة بشؤون الوقف بأهل الذَّمة وببعض المرتدين عن الإسلام أيضاً، مفصِّلاً القول في ذلك كلّه تفصيلاً لم يدع فيه زيادة لمستزيد في عصره، ويعد كتابه من أوائل ما صنَّفه العلماء المسلمون في هذا الموضوع المهم جداً الذي تبين فيه الحقوق بأحسن الصور وأدقها وأفضلها. وتأتي الأهمية البالغة لهذه النسخة الخطية كونها نسخت على يد عالم كبير، وقد وردت في آخر المخطوطة خاتمة للناسخ هذا نصها: «تم كتاب أحكام الوقف بحمد الله تعالى وحسن توفيقه، على يد الفقير إلى الله تعالى أبي الليث محمد بن أبي حامد بن أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن يوسف بن إسماعيل القرشي العمري المكّي الحنفي، عامله الله بلطفه الخفي وتجاوز عن هفواته. ووقع الفراغ من تعليقه في يوم الخميس السابع والعشرين من شوال المبارك عام 881 بمنزل كاتبه بالقرب من باب العمرة أحد أبواب المسجد الحرام، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل». وقد جاء في التعريف بناسخ المخطوطة بهامش الورقة الأخيرة من المخطوطة بخط مغاير لأحد العلماء ما يلي: «أبو حامد هذا هو أخو الإمام الكبير أبي البقاء محمد بن الضياء صاحب «البحر العميق» في المناسك، في ثلاثة مجلدات، و «شرح الوافي» للنسفي يأتي فوق عشرة مجلدات، وغير ذلك من التصانيف الجيدة المبسوطة غاية البسط مع كثرة النقول فيما عندي منها بعض بعضها بخطه الجيد الحسن النيّر، فرحمه الله تعالى آمين». وتحسن الإشارة إلى أن هذا الكتاب النّفيس لم يحظ بتحقيق علمي متقن إلى يومنا هذا، فإليه نلفت أنظار المعنيين بشؤون الوقف في البلدان العربية والدول الإسلامية جمعاء، والله تعالى من وراء القصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.