يُرجَّح ألا يكشف أحد ما دار في لقاء مفاجئ عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسلفه عبدالله غل أمس. لكن الأيام المقبلة ستوضح هل أتى الاجتماع في مصلحة تجديد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وتصحيح مساره، لتجاوز نكسته الانتخابية، أم أنه ليس سوى محاولة لاحتواء تداعيات أزمة نتجت من الكشف عن العلاقة المتوترة بين الجانبين. وفاجأ أردوغان وغل الجميع باجتماع في مبنى البرلمان استمر نحو ساعة، لم يحضره سوى رئيس مجلس النواب جميل شيشيك، على هامش تشييع الرئيس السابق سليمان دميريل. اللقاء كان ضرورياً، بعدما كشف أحمد سفار، وهو المستشار الصحافي لغل، في كتاب نشره أخيراً «إساءات» وجّهتها حكومة «العدالة والتنمية» إلى الرئيس السابق خلال ولايته، وسعي أردوغان إلى عزله وإبعاده من دائرة صنع القرار وتصفية المقربين منه في الحزب الحاكم، انتهاءً بحرمانه من الترشح مجدداً للرئاسة، أو حتى العودة إلى الحزب بعد نهاية ولايته. وكانت وسائل إعلام مقربة من أردوغان شنّت حملة عنيفة على غل ومستشاره، معتبرة أن نشر الكتاب يشكّل «مؤامرة» هدفها زرع فتنة داخل «العدالة والتنمية»، بعد تراجع شعبيته في الانتخابات النيابية وخسارته الحكم. وتجاوز كتّابٌ ووسائل إعلام حدود اللباقة في انتقاداتهم، لدرجة دفعت قياديّين في الحزب الحاكم إلى رفض الإساءة إلى غل بهذه الطريقة. وأثار الكتاب نقاشاً لدى أوساط إعلامية وسياسية بعيدة من الحزب أيضاً، في شأن احتمال أن تتيح عودة غل إنقاذ «العدالة والتنمية» من نكسته الانتخابية وتصحيح مساره، وإمكان إبعاد رئيس الحزب أحمد داود أوغلو وعودته وزيراً للخارجية في أي حكومة مقبلة، إضافة إلى فرض قيود على تدخل أردوغان في شؤون الحكومة والوضع الاقتصادي. لكن مقربين من الرئيس التركي استبعدوا هذا السيناريو، معتبرين أن على غل أن يبقى بعيداً من الحزب، وأن يكتفي بما قدّمه له في السنوات السابقة، وأن يتذكّر دوماً أن أردوغان «منحه فرصة أن يكون أول رئيس للجمهورية من الحزب». في المقابل، يلفت ساسة معارضون واقتصاديون كثيرون إلى «إيجابيات» عودة غل إلى السياسة في «العدالة والتنمية»، معتبرين أن ذلك يتيح تخفيف التوتر والانقسام في الساحة السياسية والشارع، في إشارة إلى قبول المعارضة التعامل مع غل، في شكل يساهم في تسوية خلافات، ويدعم الثقة بالاقتصاد التركي. لكن الكاتب المحافظ أحمد هاكان استبعد أن تغيّر عودة الرئيس السابق الى المشهد السياسي، واتهمه بالضعف والتردد قائلاً: «لا يمكن فهم كيف صمت غل طيلة سبع سنوات في الرئاسة، على سياسات حكومة أردوغان التي اكتشفنا الآن أنه كان يرفضها». وسأل: «إذا لم يُسمعنا غل صوته وهو رئيس للجمهورية، كيف يمكن تعليق آمال عليه ودعوته الى ترؤس حكومة، في ظل رئاسة شخص مثل أردوغان؟». إلى ذلك (رويترز)، اقترح رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليجدار أوغلو، تولي رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهشلي رئاسة الوزراء، في حكومة ائتلافية تستبعد «العدالة والتنمية». وقال: «أنظر باستحسان إلى ائتلاف مع الحركة القومية. يمكننا أن نجعل منصب رئيس الوزراء بالتناوب، وليتولَّ (باهشلي) رئاسة الحكومة في الائتلاف». ومع استبعاد الحزب الحاكم، سيحتاج ائتلاف من حزبَي «الشعب الجمهوري» و «الحركة القومية» إلى دعم «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي، لكن يوسف حلاج أوغلو، نائب رئيس «الحركة القومية»، رفض المشاركة في ائتلاف مع الحزب الكردي، مشدداً على أن باهشلي «لن يتخلى عن مبادئه من أجل أن يصبح رئيساً للوزراء».