×
محافظة المنطقة الشرقية

القيصر وفورتين يكسبان في دورة المنيرة

صورة الخبر

أكتب هذا المقال من النرويج، حيث يتابع المشاركون في "منتدى أوسلو" السنوي المشاورات الجارية في جنيف تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، وليس هناك تفاؤل كبير بنجاح تلك المشاورات، ليس فقط لأن الهوة بين الجانبين واسعة، بل لأن الشروط المرجعية للمشاورات وأهدافها ليست واضحة أيضا. تولت الأمم المتحدة مسؤولية الوساطة في اليمن تدريجيا خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكن تلك الوساطة لم تنجح في السابق، بل يرى بعض اليمنيين أنها أسهمت في تردي الأوضاع. قبل تولي الأمم المتحدة دور الوساطة في اليمن قام مجلس التعاون بدور الوسيط، حين تبنّى المبادرة الخليجية في أبريل 2011، بالتنسيق مع الحكومة والقوى السياسية اليمنية، بعد مظاهرات دامية في المدن اليمنية طالبت برحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي رفض تلك المطالب وأطلق العنان لقوات الأمن والجيش لمهاجمة المتظاهرين. جاء دور مجلس التعاون في حينه متسقا مع ميثاق الأمم المتحدة الذي سعى إلى تمكين المنظمات الإقليمية لحل النزاعات التي تهدد السلم الإقليمي والعالمي، قبل إحالتها إلى مجلس الأمن إن دعت الحاجة، وتم تخصيص الفصل الثامن من الميثاق لهذا الغرض. قطع اليمن شوطا كبيرا في إطار المبادرة الخليجية، حيث انتقلت السلطة سلميا من علي عبدالله صالح إلى حكومة انتقالية برئاسة عبدربه منصور هادي، مهمتها إدارة الحوار الوطني الشامل، ووضع دستور جديد للبلاد والترتيب لانتخابات رئاسية وبرلمانية. اختتمت أعمال مؤتمر الحوار الوطني خلال عشرة أشهر، بمشاركة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح وهادي)، وأصبحت مخرجات ذلك المؤتمر مرجعية رئيسية لحل الأزمة في اليمن. انتقلت الوساطة خلال هذه الفترة الانتقالية إلى الأمم المتحدة، وفي البداية كان ثمة تنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية ومجلس التعاون وبقية القوى الفاعلة في اليمن، ولكن ذلك التنسيق لم يستمر بالدرجة نفسها. ثم تعثرت الوساطة لاحقا، لأن الحوثيين وأنصار صالح استغلوها لتحقيق مكاسب حزبية، ولإضعاف الحكومة الشرعية. على الرغم من مشاركة الحوثيين في الحوار الوطني انقلبوا على نتائجه لأنها لم ترُقْ لهم. وبدؤوا في عام 2014 في الزحف جنوبا من معاقلهم في صعدة في اتجاه العاصمة صنعاء، مرتكبين مذابح وجرائم ضد الإنسانية في اكتساح كل ما في طريقهم، ومستولين على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية. في 21 سبتمبر استولى الحوثيون على صنعاء. ولكن الحوار الأممي استمر كما لو أن شيئا لم يكن، فعلى الرغم من احتجاجات الأمم المتحدة ودعوتها الحوثيين إلى الانسحاب من العاصمة، لم يطلب من الحوثيين في جولات الحوار الانصياع للإرادة الدولية وللحكومة الشرعية. وبدلا من ذلك، طالب الحوثيون بتشكيل مجلس رئاسي يدير البلاد بدلا من الرئيس المنتخب، وسعت الوساطة الدولية إلى تحقيق ذلك لهم. استمر "حوار الموفينبيك" برعاية الأمم المتحدة حتى بعد أن اعتقل الحوثيون الرئيس هادي ورئيس وزرائه والوزراء ووضعوهم تحت الإقامة الجبرية. وبدلا من أن يتركز الحوار على إطلاق سراح الرئيس ومساعديه، وانسحاب الحوثيين من العاصمة وتسليم أسلحة الدولة، تركز الحوار على مناقشة أفكار الحوثيين في تشكيل مجلس رئاسي يحكمون من خلاله البلاد، وتشكيل مجلس وطني يقومون بتعيين بعض أعضائه! توقف الكثير من القوى الفاعلة عن المشاركة في حوار "موفينبيك"، واعتبروه نقاشا عبثيا يستخدم كغطاء لتوسع الحوثيين وحليفهم صالح. فمع أن الحوار كان ظاهريا يدار من قبل الأمم المتحدة، إلا أن سيطرة الحوثيين العسكرية على العاصمة وعلى الفندق التي كانت جلسات الحوار تعقد فيه، وتهديداتهم لمعارضيهم، واعتداءاتهم على مقار الجماعات المعارضة لهم، وتفجير منازل قياداتها، كانت تعني أن الحوار يتم وفق إملاءاتهم. وبعد تمكن الرئيس هادي من الإفلات من قبضة الحوثيين والانتقال إلى عدن، استمر الحوار وتجاهلت الوساطة الأممية الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة، واستمرت في مناقشة بدائل اقترحها الحوثيون، حتى حين كانوا يقصفون القصر الرئاسي في عدن بالطائرات. لم تتوقف الوساطة الدولية إلا بعد انسحاب معظم القوى السياسية اليمنية، باستثناء الحوثيين وصالح، من حوار موفينبيك. ولم تحقق تلك الوساطة شيئا سوى إعطاء الحوثيين فرصة لتشديد قبضتهم على البلاد. من عدن، طرح الرئيس هادي مقترحه بعقد مؤتمر في الرياض تشارك فيه القوى اليمنية كافة. رحب مجلس الأمن في قراره (2216) الصادر في 14 أبريل 2015 بالمؤتمر، حيث حث في فقرته السابعة "جميع الأطراف اليمنية على الرد بالإيجاب على طلب رئيس اليمن منها حضور مؤتمر يعقد في الرياض، تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي، بهدف تقديم مزيد من الدعم لعملية الانتقال السياسي في اليمن". وعلى الرغم من فشل الوساطة الأممية السابقة التي استمرت أكثر من أربعة أعوام أضاف القرار إشارة إلى استئناف تلك الوساطة حين نص في آخر الفقرة نفسها: "ولتكملة ودعم المفاوضات التي تجري بوساطة من الأمم المتحدة". سعت بعض الأطراف في الأمم المتحدة إلى عقد اجتماع جنيف قبل انعقاد مؤتمر الرياض، وهو إجراء رأى البعض أنه يتعارض مع روح ونص الفصل الثامن من الميثاق، والتي كان القصد منها إعطاء الحلول الإقليمية فرصة قبل تدخل الأمم المتحدة. وحين ألقى المبعوث الأممي الجديد كلمته في مؤتمر الرياض، ركز على الدعوة إلى اجتماع جنيف الذي حدد موعده دون استشارة الحكومة الشرعية، بدلا من دعم الجهود اليمنية الذاتية المتمثلة في مؤتمر الرياض للتوصل إلى اتفاق. استمرت الأمم المتحدة في الترتيب لمشاورات جنيف التي رحب بها الحوثيون لأنهم رأوا فيها استمرارا لاجتماعات "موفينبيك"، وفرصة لإعادة الاعتبار لهم. في حين رأت الحكومة أن هذه المشاورات، وهي برعاية الأمم المتحدة، يجب أن تركز على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة نفسها، وأهمها القرار الأخير (2216) الملزم الصادر تحت الفصل السابع من الميثاق، والذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من جميع المناطق التي احتلوها، وبإطلاق سراح المعتقلين، بمن فيهم عدد من كبار المسؤولين. ولهذا فإن فرص نجاح جنيف محدودة، بل يخشى البعض أن مصداقية المنظمة الدولية مهددة، ما لم تقم بتنفيذ قراراتها الملزمة، الصادرة تحت الفصل السابع.